للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد أنكر هذه العبودية طائفة من الناس بحجة أن هذه الكائنات لا تعقل ولا تدرك وليس لها أي عبودية لله - عز وجل -، وما ورد في النصوص من سجود هذه الكائنات أو تسبيحها أو نحو ذلك اضطر إلى القول فيها بالتأويل (١) أو المجاز (٢). فقالوا عن سجود الشمس في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} (٣): أن الذي يسجد هو الملك الموكل بها، وتأويل السجود بدلالة تلك الموجودات على أنها مسخرة بخلق الله، فأستعير السجود لحالة التسخير والانقياد.

وعن تسبيح الجبال في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} (٤)، أن الجبال لم تسبح ولم تردد مع داود - عليه السلام -، إنما الأمر أن الجبال كانت تمشي مع داود - عليه السلام - فكان كل من رآها كذلك سبح، إلى غير ذلك من التأويلات الباطلة (٥).


(١) المراد به هنا: صرف اللفظ من الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح. انظر: التعريفات: ١١٢، ومجموع الفتاوى: ٥/ ٣٥، ١٣/ ٢٨٨، ومختصر الصواعق المرسلة لابن القيم اختصره محمد بن الموصلي، تحقيق: الحسن العلوي، دار أضواء السلف، الرياض، ط ١: ١/ ٢٢.
(٢) المجاز: اسم لما أريد به غير ما وضع له لمناسبة بينهما. انظر: التعريفات: ٢٨٣، أسرار البلاغة في علم البيان للجرجاني، تحقيق: محمد رشيد رضا وأسامة صلاح الدين منيمة، دار إحياء العلوم، بيروت، ط ١: ٤٣٧ - ٤٣٨، ومختصر الصواعق المرسلة: ٢/ ٦٩٠.
(٣) الحج: ١٨.
(٤) سبأ: ١٠.
(٥) انظر: زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط ٤، : ٤/ ٣١٩، ٤٥٣ - ٤٥٤، وأنوار التنزيل وأسرار التأويل المعروف بتفسير البيضاوي، تحقيق: محمد المرعشلي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط ١: ٤/ ٦٩، ٢٤٣، ومفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني، تحقيق: صفوان داودي، دار القلم، دمشق، ط ٢: ٣٩٣، ٣٩٦.

<<  <   >  >>