للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال تعالى: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (١).

قال ابن كثير - رحمه الله -: " يخبر تعالى عما دار بين الكفار وبين رسلهم من المجادلة، وذلك أن أممهم لما واجهوهم بالشك فيما جاءوهم به من عبادة الله وحده لا شريك له، قالت الرسل: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ}؛ فإن الفطر تشهد بوجوده والاعتراف به؛ ولكن قد يعرض لبعضها شك واضطراب، فتحتاج إلى النظر في الدليل الموصل إلى وجوده. ومن ذلك النظر في هذا الكون، ومن خلقه وأوجده على غير مثال سابق، ولهذا قالت الرسل لأقوامهم ترشدهم إلى طريق معرفته بأنه {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الذي خلقهما وابتدعهما على غير مثال سابق، فإن شواهد الحدوث والخلق والتسخير ظاهر عليهما، فلا بد لها من صانع، وهو الله لا إله إلا هو، خالق كل شيء وإلهه ومليكه" (٢).

وقال ابن القيم - رحمه الله -: " فطرق العلم بالصانع فطرية ضرورية ليس في العلوم أجلى منها، وكل ما استدل به على الصانع فالعلم بوجوده أظهر من دلالته، ولهذا قالت الرسل لأممهم: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ} فخاطبوهم مخاطبة من لا ينبغي أن يخطر له شك ما في وجود الله سبحانه، ونصب من الأدلة على وجوده ووحدانيته وصفات كماله الأدلة على اختلاف أنواعها، ولا يطيق حصرها إلا الله، ثم ركز ذلك في الفطرة ووضعه في العقل جملة ثم بعث الرسل مذكرين به ... ومفصلين لما في الفطرة والعقل العلم به جملة.

فانظر كيف وجد الإقرار به وبتوحيده وصفات كماله ونعوت جلاله وحكمته في خلقه وأمره المقتضية إثبات رسالة رسله ومجازات المحسن


(١) إبراهيم: ١٠.
(٢) تفسير ابن كثير: ٢/ ٥٤٤، وانظر: مدارج السالكين: ١/ ٦١.

<<  <   >  >>