للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن كثير - رحمه الله -: " ثم شرع تعالى يبين أنه المنفرد بالخلق والرزق والتدبير دون غيره ... فهم معترفون بأنه الفاعل لجميع ذلك وحده لا شريك له، ثم هم يعبدون معه غيره مما يعترفون أنه لا يخلق ولا يرزق، وإنما يستحق أن يفرد بالعبادة من هو المتفرد بالخلق والرزق؛ ولهذا قال: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} أي أإله مع الله يعبد؟ وقد تبين لكم، ولكل ذي لب مما يعرفون به أيضًا أنه الخالق الرازق" (١).

"وهذه الآيات مألوفة ولكن طبيعة قوة الاستفهام أضفت على هذه الآيات الجدة والحداثة بحيث بدت كما لو أنها أول مرة يرى فيها البصر هذا الكون ويرى فيه القدرة الإلهية المتفردة تدبره وتحكمه، ووجه الاستدلال ما يتبدى من هذا الاستفهام من تقدم قضية الخلق على بقية القضايا المعروضة، لشرفها وعظمتها ولأنها كالأم لبقية القضايا" (٢).

ومن منهجه في الاستفهام أن يتخذ أسلوب السبر والتقسيم وذلك بأن يحصر جميع الافتراضات الواردة في القضية ثم يبدأ في تفنيد كل افتراض على حده ويبين أنه غير صالح ولا وجه لقبوله حتى يصل للافتراض الصحيح في المسألة، قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (٣٥) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ} (٣).

قال ابن سعدي - رحمه الله -: " وهذا استدلال عليهم بأمر لا يمكنهم فيه إلا التسليم للحق، أو الخروج عن موجب العقل والدين، وبيان ذلك: أنهم منكرون لتوحيد الله، مكذبون لرسوله، وذلك مستلزم لإنكار أن الله خلقهم.

وقد تقرر في العقل مع الشرع أن ذلك لا يخلو من أحد ثلاثة أمور:


(١) تفسير ابن كثير: ٣/ ٣٨١ - ٣٨٢، وانظر: تفسير البغوي: ٣/ ٤١٠.
(٢) منهج القرآن في عرض الظواهر الكونية: ١١٨.
(٣) الطور: ٣٥ - ٣٦.

<<  <   >  >>