للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم قال جوابا عن الشبهة: {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا}: " ولكنه تعالى مع هذا لم يترك هذه الشبهة حتى أزالها وكشفها مما سيعرض لبعض القلوب من الاعتراض، فقال تعالى: {قُلْ} لهم مجيبا: {لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي فإذا كان المشرق والمغرب ملكا لله، ليس جهة من الجهات خارجة من ملكه، ومع هذا يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، ومنه هدايتكم إلى هذه القبلة التي هي من ملة أبيكم إبراهيم، فلأي شيء يعترض المعترض بتوليتكم قبلة داخلة تحت ملك الله؟ لم تستقبلوا جهة ليست ملكا له، فهذا يوجب التسليم لأمره بمجرد ذلك، فكيف وهو من فضل الله عليكم وهدايته وإحسانه أن هداكم لذلك، فالمعترض عليكم معترض على فضل الله حسدا لكم وبغيا" (١).

وكذلك وقوعها موقع الدليل القوى لرد ودحض حجة المجادلين المعاندين بأقوى البراهين الرادعة الزاجرة، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (٢).

قال الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله - في فوائد الآية: "ثم إن إبراهيم - عليه السلام - انتقل إلى أمر لا يمكن الجدال فيه، فقال: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} ". ثم قال: "ومنها-أي الفوائد-: حكمة إبراهيم - عليه السلام - وجودته في المناظرة" (٣)، حيث آتى بالأدلة الواضحة التي لا تحتمل المعارضة فعجز المعارض عن الرد.


(١) تفسير ابن سعدي: ١/ ١٠٢.
(٢) البقرة: ٢٥٨.
(٣) تفسير القرآن الكريم، سورة البقرة لابن عثيمين: ٣/ ٢٨٠.

<<  <   >  >>