الباب الرابع في السبب الذي احتيج الى التناسل من أجله
لما كان الله عز وجل بتصاريف حكمته المعجبة، خلق الاشياء، فمنها ما أبقاه وامهله الى يوم الحشر، ومنها ما جعله يموت ويبطل وما كان جعله يموت وينقرض لولا التناسل الذي قدره [بلطفه]«١» أنواع الحيوان كله ... وزال ما قضى بقاءه منه، الى وقت افناء جمعيه، فجعل تبارك وتعالى التناسل سبيا لاخلاق، وكان المنقوص منه ومعيدا بدل الفاني ما يكون خلفا منه. ثم لما كان الانسان المميز فضلا عن سائر الحيوان الذي لا تميز له، لو ترك واختياره لجار «٢» فيه، بل كان في الاكثر من فعله أن يختار ما يبعده عن الصواب، ويهمل ما في فعله الحزم والانتفاع، وعلم الله عز وجل ذلك في سائر علمه، ولم يجعل التدبير الى الانسان لا في وقت تغذية، واستدعائه له الذي به قوام شخصه، ولا في تناسله الذي به بقاء نوعه، بل جعل له في استعمال ذلك مقتضيا عنيفا ان ذهب الى التقصير فيه قاده اليه وبعثه كل البعث عليه، وهو الجوع والعطش والشوق الى النكاح، حتى ان كثيرا من الناس المميزين، يقتنون من النساء من لا يسأل له جمعهم، أو أولو حصافة الرأي منهم ان ألم التصير عنهن أيسر من تكليف القيام بمصلحتهن، فلمشيئة الله وارادته وتقصيه وما فيه عمارة العالم ومصلحته، صار العامل في هذا الباب ممنوعا من رأيه مقودا نحو ما قضاه الله عليه، واختاره له، اذ كان تعالى لا تغالب قدرته ولا تدافع أقضيته سبحانه وتعالى جده وتقدس.
فقد دللنا على السبب الذي من أجله احتاج الحيوان الى التناسل بكلام وجيز فيه كفاية لمن كان ذا فهم.