[الباب الاول في أن أكثر أمر الارض في الهيئة والقدر والمساحة والوضع والعمارة فأنما أخذ من الصناعة النجومية وكيف ذلك.]
لما احتيج الى علم أحوال الارض في شكلها ومقدارها، ومساحتها، وأوضاع البلدان فيها، ومبلغ المعمور وما لا يلحقه العمارة منها، وكان الوقوف على حقيقة ذلك بالمعاينة وادراكه بالمشاهدة، متعذرا على الانسان لقصور عمره وعجزه عن القدرة على الوصول الى المواضع التي يحتاج الى مشاهدتها، لتحصيل أمرها. عاد الى ما أعطاه الله تعالى بلطفه، من قوة التمييز، الذي اذا عجز خمسه عن بلوغ ما يريده لضعفه، كان في هذه القوة عوض له مما نقصه، فاستخرج أولا: شكل الارض، بأن وجد الشمس تطلع في المشرق أول النهار. ثم تغيب في المغرب آخره ثم تعود «١» كذلك في اليوم الثاني، فعلم ان شكل ما يدار عليه من الاجسام، لابد من أن يكون وسطا لما يدور حواليه. واذا كان وسطا لم يحل أن يكون مستديرا أو ذا هيئة اخرى غير الاستدارة. فلو ان شكله كان غير مستدير للزمته [على]«٢» طول الازمان الاستدارة، لان زواياه وزوائده، كانت تندرس لكثرة مرور الاشياء المصادمة له، مثل الريح والامطار وغيرها من الآثار.
فكان يعود الى الكريه كما يوجد في الحصى الذي في البحر من ان أكثره قد صار أملس مستدير الطول «٣» ، ملاقاته ما يلقاه من الاجسام المصادمة له