[الباب التاسع في أخلاق الملك وما يجب أن يكون عليه منها في ذات نفسه]
ليس أحد أولى بسياسة نفسه ورياضتها، على التهذيب، والاستقامة، والعقل، والفضيلة، والرأي والرجاحة من الملك، لانه اذا فعل ذلك كان حقيقا في أول الامر، أن يرى نفسه فوق من هو سائس له مستوجبا للعلو على من هو دونه، اذ كان ليس من الحق أن يكون الادنى فوق «١» الاعلى ولا الاقصى متقدما للافضل، ولا الجاهل مملكا على العاقل. فأول ما ينبغي أن يكون من صيغة الملك العقل فانه أفضل قوى النفس، والعاقل أثير مكرم مرأس مقدم عند من به من الناس اليه حاجة، وعند من لا حاجة به اليه، والعقل منه مخلوق مع أول الفطرة، ومنه مستفاد ومكتسب بعد ذلك باقتناء العلوم الحقيقية، والتجربة البادرة، عن الفهم والروية ومجاراة ذوي الآراء الوثيقة وأهل الآداب الصحيحة، فاذا كان مع الملك العقل الاول أمكنه أن يضيف اليه اكتساب الثاني، واذا اجتمعا قويا قوة لا يحتاج معها الى وصية، صار الملك بهم الى السعادة التامة في الدنيا والاخرة. وقد يعترض بينهما ويعوق عن اجتماعهما الهوى، وغلبته وكثرة فنونه، وتشعبه فليحذر الملوك من تسلطه، فأنما هو كالنار التي تنمي من ضعف وقلة، وتسعر من الشرارة الدنية، حتى اذا اضطرمت وقويت، لم يدرك اطفاؤها بالهوينا والحال السهلة، فاذا دوركت قبل أن تقوى وبودر باضعاف الهوى قبل ان يتمكن ويشظى كانت القدرة عليه أسهل واستدفاعه قبل تمكنه أولى وأيسر، وأمثل الطرق المأخوذ فيها بجسمه، وأخلق السبل