قالوا: كانت ثغور المسلمين المعروفة بالشامية أيام عمر وعثمان وما بعد ذلك، انطاكية وغيرها من المدن المدعوة بالعواصم، وكان المسلمون يغزون ما وراءها كغزوهم اليوم ما وراء طرسوس، وكان فيما بين الاسكندرونة وطرسوس حصون ومسالح للروم كالحصون والمسالح التي يمر بها المسلمون اليوم فيما وراء طرسوس، فربما أخلاها أهلها وهربوا الى بلاد الروم خوفا على نفوسهم وربما نقل اليها الروم من المقاتلة من يشحنونها بهم الى ان طال الخوف عليهم ودام استيحاشهم فانتقلوا الى بلد الروم فلما غزا معاوية غزوة عمورية في سنة خمس وعشرين وجد الحصون فيما بين انطاكية وطرسوس خالية فحبس بها جماعة من أهل الشام والجزيرة وأمرهم بالوقوف عندها حتى انصرف من غزاته، فلما انصرف وجد من كان خلفه قد بنوا مسجدا جامعا من ناحية كفربيا التي عند المصيصة فاتخذ هناك صهريجا وكان اسمه عليه مكتوبا، ثم جدد المسجد في خلافة المعتصم بالله وهو يدعى الان مسجد الحصن. ثم غزا معاوية سنة احدى وثلاثين من ناحية المصيصية حتى بلغ درولية فلما خرج جعل لا يمر بحصن فيما بينه وبين انطاكية الا هدمة.
ولما كانت سنة أربع وثمانين، غزا على الصائفة عبد الله بن عبد الملك بن مروان، فدخل من درب انطاكية وأتى المصيصية فبنى حصنها على أساسه القديم، ووضع بها سكانا من الجند، فيهم ثلاثمائة رجل، انتخبهم من ذوي الباس والنجدة، ولم يكن المسلمون سكنوها قبل ذلك، وبنى فيها مسجدا فوق تل الحصن ثم سار «٢٥٥» في جيشه حتى غزا حصن سنان، ففتحه ووجه يزيد بن حنين الطائي الانطاكي فأغار، ثم انصرف اليه، فتم بناء المصيصية وشحنها سنة خمس وثمانين، وكانت في