وحيث كانت توجد أسباب الرزق الثابتة، استقر القوم، فبنوا المدن والقرى، وأقاموا بها، ومن أشهر هذه المدن:
صنعاء في اليمن وهي العاصمة، وكان اسمها في الجاهلية: أزال. وصنعاء كانت تحاكي دمشق الشام لكثرة مياهها وأشجارها، وكان فيها قصر غمدان، وله غرف شهيرة يسمونها المحاريب، وهو محكم البناء عجيب الارتفاع، وفيه ما لا يوصف من الخزف والصنائع الغريبة. وفي اليمن قصور أخرى كثيرة، منها: ناعظ قصر ملوك همدان، وبينون: قصر بناه تبع الذائد بأرض عنتر، وصرواخ لسعد بن خولان، وقصر العشب، وقصر العنقاء، وقصر موكل في المشرق.
وفي اليمن زبيد، وهي قصبة التهائم، وموضعها في مستوى من الأرض، والبحر عنها أقل من يوم، وفيها نخل، وكان عليها سور دائر فيه ثمانية أبواب، وهي إلى القرب من صنعاء، ولها فرضة على البحر تسمى علافقة، وبينها وبين البحر خمسة عشر ميلًا. وإلى الجنوب منها على شط البحر أيضًا مدينة المخا التي يجلب منها البن.
وكانت توجد مدينة سبأ وهي مدينة مأرب. وتقع إلى الشمال الشرقي من صنعاء، وبينهما ثلاث مراحل، وكان بها سد مأرب ذو الشهرة التاريخية، وكانت مدينة طيبة الهواء، عذبة الماء، موفورة المتنزهات، كثيرة البساتين والخيرات، وبقربها وجد الباحثون من الفرنسيين والإنجليز سنة ١٨٧٥ الآثار المسطرة على الصخور بالخط المسند المعروف بالخط الحميري.
أما عدن فهي من مدن اليمن التهامية، وهي أقدم أسواق العرب.
ومدينة نجران فيها كعبة نجران، وهي قبة عظيمة، يقال إنها كانت تظلل ألف رجل، وكان إذا نزل بها مستجير أجير، أو خائف أمن، أو جائع أشبع أو طالب حاجة قضيت، أو مسترفد أعطي ما يريد.
ونجران قطعة عظيمة ذات نخيل وأشجار على القرب من صنعاء، ويقال: هي جبال من شمال اليمن إلى شمال صعدة، تبعد من صنعاء نحو عشر مراحل، وكانت من بلاد همدان بين قرى ومدائن وعمائر ومياه١١،
وكانت نجران سوقًا مهمة جدًّا، ومركزًا لتوزيع المنتجات، وتصدير التجارة إلى الخارج،