إنشائه وقوله، وتختلف باختلاف الأشخاص، وباختلاف الأحوال للشخص الواحد، ومعنى هذا أن المحفوظ من قصيدة مثلًا قد يختلف باختلاف حالات النفوس، وباختلاف الأفراد، وهذا قد يؤدي إلى أن يتفرق النص الأدبي في عدد من الناس، وقد يذهب من القصيدة أكثرها، ولذلك لا تبقى كلها مجتمعة متصلة الأجزاء، وإنما هي أشلاء متناثرة، تتلقفها أفواه حافظة، ويذهب كل بنصيبه حيث يحلو له، فإذا جاء بعد ذلك دور الجمع والدراسة، كان في لم شتاتها، وترتيب أجزائها ما لا يخفى من عسر، فضلًا عما قد يصيبها به ذلك التفرق من نقص واضطراب واختلاط وتداخل مع غيرها من القصائد التي تتفق معها في الوزن والقافية، وقد تكون القصيدة أو القصائد الأخرى لصاحب القصيدة نفسه، وقد تكون لغيره.
ولا شك أن تدوين ما لم يكن مدونًا من النصوص كان يتوقف على ما في ذواكر الحفاظ والرواة منه، والاعتماد على الذاكرة، مع مرور الزمن، وكثرة المحفوظ، يؤدي أحيانًا إلى حدوث اختلاف بين الرواة في ألفاظ النص الأدبي الواحد. والباحثون يرجعون ذلك إلى أحد الاحتمالات الآتية:
أن الراوي قد يعمد إلى البيت نطق به الشاعر على لغته، فيغير منه الكلمة إلى ما يوافق لغته هو، ما دام ذلك لا يغير من جوهر المعنى شيئًا.
أو أن الراوي قد تسقط منه بعض الكلمات على وجه النسيان، فيحاول أن يضع مكانها بديلًا عنها، وما كانوا يرون في ذلك من بأس ما دام الغرض الذي يرمي إليه الشاعر قائمًا، والمعنى الذي يقصده لم يتغير، والراوي عندما يقدم على ذلك إنما كان يستعمل ألفاظًا فصيحة مستعملة في التعبير الأدبي، ويبدو أن ذلك كان شائعًا ومعروفًا بين الشعراء والرواة، ولذلك نجد بعض الشعراء يطلب كتابة شعره، ولا يتركه للحفظ فقط، كما يروى عن ذي الرمة إذ قال لموسى بن عمرو:"اكتب شعري، فالكتاب أعجب إليّ من الحفظ؛ لأن الأعرابي قد ينسى الكلمة التي تعبت في طلبها ليلة، فيضع في موضعها كلمة في وزنها، ثم ينشدها الناس، والكتاب لا ينسى، ولا يبدل كلامًا بكلام"٢٦.
أو أن الشاعر، أو الأديب نفسه قد يكون ألقى نصه الأدبي على وجهين أو وجوه مختلفة في أوقات عدة، وقد يبدو له أن كلمة أليق، أو أحسن، أو تسقط من حافظته الكلمة التي أنشأ