للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليها النص في بادئ الأمر، ثم يتصادف أن يحملها عنه في كل مرة راوٍ أو رواة مختلفون، فيحمل كل منهم عنه ما سمعه منه، ويدعي صادقًا أن ذلك سمعه مشافهة من الأديب نفسه.

ويدعي بعض العلماء أن الرواة كانوا أحيانًا يقومون بتغيير بعض الألفاظ إذا رأوا فيما ورد عن الأديب خطأ كما يروى في بيت امرئ القيس:

فاليوم أشربْ غير مستحقب ... إثما من الله ولا واغل

فقالوا: حذف الإعراب، وليس بالحسن، وذهبوا إلى أنه يريد "أشرب" فحذف الضمة، ولذلك غيروه، فجعله بعضهم، "فاليوم فاشرب"، بصيغة الأمر٢٧.

وفي قول عدي بن زيد:

ففاجأها وقد جمعت جموعاً ... على أبواب حصن مُصْلتينا

فقددت الأديم لراهشيه ... وألفى قولها كذبًا ومَيْنا

فقالوا إن في قوله "مينا" سناد، ولذلك أراد المفضل الضبي أن يفر من هذا السناد فغيرها، وجعلها كذبًا مبينًا٢٨.

فكأن الرواة كانوا يقومون بالإصلاح والتهذيب، بجانب مهمتهم الأساسية التي هي الحفظ والنشر. وإذا كان الأمر كذلك فيبدو أن الذي دفعهم إلى هذا هو حرصهم على صحة اللغة وجمالها.

وهناك ظاهرة واضحة في اختلاف الرواة في ترتيب أبيات القصائد الشعرية فرواية تحكيها بشكل معين، في حين أن أخرى تحكيها بشكل آخر، من حيث تقديم بعض الأبيات أو تأخيرها. وهذه الظاهرة ليس فيها شيء على الإطلاق، فلا تدل على تزوير ولا تحريف؛ لأنها كانت تروى عن الحافظة. والذاكرة عرضة لذلك دائمًا، وبخاصة إذا كان المحفوظ فيها كثيرًا، وقد يكون هناك الشيء الكثير من النوع الواحد، ولا ريب في أن مما ساعد على حدوث ذلك بشكل ملموس استقلال البيت الواحد، ووحدته التي قدسها الشاعر العربي والتزامها، وجعل الخروج عنها عيبًا في الشعر.


٢٧ الموشح للمرزباني، ص٨٥، وزعم قوم أن الرواية الصحيحة: "اليوم أسقي"وبذلك كان المبرد يقول. "العمدة: ٢-٢٧٤".
٢٨ المرجع السابق ص٢٢.

<<  <   >  >>