كما وردت فيه إشارات كثيرة للهند، وبخاصة عند الكلام على السيوف، وقد سبق الحديث عن صلات العرب الخارجية، وما كان له من تأثير في لغتهم وأدبهم، وظهر ذلك واضحًا في كثير من الألفاظ الأجنبية التي عربها الجاهليون، وقد ورد بعضها في القرآن الكريم، فالواقع أن الأدب الجاهلي، وبخاصة الشعر، يدل دلالة قاطعة على صلة العرب الجاهليين بغيرهم من الأمم، فما كان للعرب أن يعيشوا في عزلة تامة، ولا بد أن يظهر أثر هذا الاتصال في لغة العرب الجاهليين وأدبهم. ولا يمكن أن يتجاهل دارسو الأدب الجاهلي هذا الأثر، فيعتقدوا "أن العرب كانوا قبل الإسلام أمة معتزلة تعيش في صحرائها لا تعرف العالم الخارجي ولا يعرفها العالم الخارجي".
حقيقة أن التأثير الخارجي في لغة العرب وأدبهم كان كثيرًا بعد ظهور الإسلام، واتساع رقعة العالم الإسلامي بعد الفتوحات التي تمت للمسلمين، بحكم الاتصال الذي زاد واتسع عما كان الحال عليه قبل الإسلام.
ثم ادعاء أن القرآن الكريم تحدث عن صلة العرب بغيرهم من الأمم الأخرى ليس صحيحًا، لأن القرآن لم يقصد ذلك وكان في آيتين أو آيات معدودات، وجاءت إشارته إلى هذه الصلة في تلك الآيات في معرض حديثه عن أغراض أخرى تتصل بمبادئه وأهدافه، ولم يكن الحديث فيه عن هذه الصلة مقصودًا لذاته. وجاء حديثه عنها مقتضبًا، بحيث لا يمكن أن يقال: إنه صور صلة العرب بغيرهم تصويرًا تامًّا من جميع النواحي. إنما هو صورها من الناحية التي تتصل بأغراضه ومقاصده فقط.
وفي تصوير الحالة الاقتصادية بين العرب في الجاهلية يقارن الدكتور طه حسين بين القرآن الكريم والأدب الجاهلي في هذه الناحية فيقول٤٤: "وأنت إذا قرأت في القرآن رأيت أنه يقسم العرب إلى فريقين آخرين: فريق الأغنياء المستأثرين بالثروة، المسرفين في الربا. وفريق الفقراء المعدمين، أو الذين ليس لهم من الثروة ما يمكنهم أن يقاوموا هؤلاء المرابين، أو يستغنوا عنهم. وقد وقف الإسلام في صراحة وحزم وقوة إلى جانب هؤلاء الفقراء المستضعفين، وناضل عنهم، وذاد خصومهم والمسرفين في ظلمهم، وسلك في هذا النضال والذياد مسالك مختلفة: سلك فيها مسلك القوة والعنف حين حرم الربا وألح في تحريمه، ومثل الذين يأكلون