الربا بالذين يتخبطهم الشيطان من المس، وأمر الذين آمنوا أن يتقوا الله ويذروا ما بقي من الربا، وآذنهم بحرب من الله ورسوله إن لم يفعلوا، وسلك فيها مسلك اللين والرفق حين أمر بالصدقة، وأوصى الأغنياء بالفقراء، وضرب هذه الأمثال البينات يرغب بها أصحاب الأموال في البر بالفقراء والعطف عليهم، وجعل الصدقة قرضًا يقدمه صاحبها إلى الله على أن يرد إليه مضاعفًا يوم القيامة، وسلك فيها بين بين، فيه حزم وشدة وفيه لين ورفق، حين شرع الزكاة على أنها تطهير للأغنياء وسد لحاجة الفقراء". ثم يستمر فيقول: "أفتظن أن القرآن كان يعنى هذه العناية كلها بتحريم الربا والحث على الصدقة، وفرض الزكاة لو لم تكن حياة العرب الاقتصادية الداخلية من الفساد والاضطراب بحيث تدعو إلى ذلك؟ فالتمس لي هذا أو شيئًا كهذا في الأدب الجاهلي، وحدثني أين نجد في هذا الأدب الذي لا يمثل فقر الفقير، وما يحمل صاحبه من ضر، وما يعرضه له من أذى، والذي لا يمثل طغيان الغني وإسرافه في الظلم والبطش وامتصاص دماء المعدمين؟ ألم يكن بين هؤلاء العرب البائسين من انطلق لسانه مرة بالشكوى من هذه الحياة السيئة المنكرة؟ ألم يكن بين هؤلاء العرب المسرفين في الظلم من انطلق لسانه مرة بما يمثل كبرياءه وتسلطه على هؤلاء البائسين؟ ".
وهو هنا كذلك يسهب في بيان أن القرآن وصف الحالة الاقتصادية للعرب الجاهليين بالتفصيل، ويستدل على ذلك بحديث القرآن عن الفقراء والأغنياء، وفرض الزكاة، وسن الصدقات، وتحريم الربا، ويذكر أن الأدب الجاهلي ليس فيه ما يشير إلى ذلك، ومن ثم فهو لا يصور حالة العرب الاقتصادية.
حقيقة إن القرآن الكريم تحدث عن الأغنياء والفقراء، وحرم الربا، ونفر من البخل، وكره في الشح والحرص وذم الطمع والجشع؛ لأن من أهم مبادئ الدين الإسلامي، إصلاح الفاسد، وتقويم المعوج، ومحاربة الصفات الذميمة، والقضاء على العادات السيئة. فبجانب اهتمام الدعوة الإسلامية ببيان العقيدة الصحيحة، ودعوة الناس إلى الدين القويم، كانت تهتم بإصلاح النواحي الاجتماعية التي كان الفساد فيها ظاهرًا ومستشريًا، فحارب الإسلام كل المفاسد الخلقية والاجتماعية، ومن بينها الربا، والسرقة، والسلب، والنهب، والاعتداء على حقوق الآخرين، وأعراضهم، ودعا إلى المبادئ التي ترفع من شأن الإنسان