للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمجتمع ومن بينها الزكاة والصدقات وبذل الأموال وتداولها فيما هو صالح للأفراد والمجتمعات.

وإذا لم يرد ذكر الربا في الأدب الجاهلي فلا ينبغي أن يعتبر ذلك نقصًا فيه. ولا سببًا للطعن في أصالته، فالمعروف أن الأدب ليس إلا أثرًا لانفعال الأدباء بظاهرة تثير انفعالهم، وليس بلازم أن ينفعل الأدباء بكل الظواهر التي يحتويها الكون والحياة والظروف المختلفة، ومن ثم، ليس بلازم أن ينفعل الأدباء بظاهرة الربا، فقد تكون بين الظواهر التي لم تثر مشاعرهم فلم يقولوا فيها شعرًا، ويجوز أن الشعراء أو بعضهم قد ثارت مشاعرهم بسبب الربا، فقالوا فيه شعرًا، ولكنه ضاع ضمن ذلك الجزء الكبير الذي ضاع من نتاج الجاهليين الأدبي.

ويجوز أنه لم يوجد من الأدباء من تعامل بالربا، فأحس بشاعته، فقال فيه نصًّا أدبيًّا، ويغلب على الظن أن ذلك قد حدث، فلم يكن بين الأدباء، وبخاصة الشعراء، من كان يدين أو يستدين بالربا، ذلك لأن من يقرض ماله بالربا لابد أن يكون غنيًّا، ذا ثراء ظاهر، ومال يفيض عن حاجته، وحقًّا كان في العرب من هذه حاله، ولكنا لا نعتقد أن أحد الشعراء الجاهليين كان من هذه الطبقة الثرية، فكتب التاريخ والأدب تتحدث عن الشعراء الجاهليين، سواء كانوا حضرًا أو بدوًا، وتصفهم بأنهم كانوا فقراء، ولم تصف واحدًا منهم بالغنى الكثير، والمال الفائض الذي يقرضه بربا أو بدون ربا. كما أنا لم نسمع عن أحد من الأدباء أنه اقترض من غنيّ مالًا بالربا، حتى ولا بدون ربا، رغم أنهم كانوا جميعًا فقراء، وإنما نعتقد أن حاجات الأدباء وبخاصة الشعراء كانت تقضى بسهولة ويسر، وكان جميع أفراد القبيلة يتسابقون في سد حاجات شعرائهم، وقضاء مصالحهم، بل ويتسامحون كثيرًا فيما يأخذه شعراؤهم من أموالهم ولو في غيبتهم، وبدون سابق إذن منهم. فالشعراء كانت لهم منزلة في قومهم وفي غير قومهم، جعلتهم موضع الاحترام والتبجيل، من الجميع وبخاصة الأغنياء وذوو الثراء، بل كثيرًا ما كان الناس يتهيبونهم، ويخافون ألسنتهم، ويرهبون تشهيرهم، فكانوا على الأقل، يتملقونهم، ويتظاهرون بإكرامهم وإكبارهم. ومن كانت هذه حالهم، فمن المستبعد جدًّا أن يقرضهم الأغنياء بربا، إن لم يقرضوهم بدون انتظار للوفاء أو السداد ومن ناحية أخرى لن ننتظر من الشعراء أن يقولوا شيئا يمس شعور المرابين ما دام الشعراء يلقون منهم كل احترام وإكبار.

<<  <   >  >>