للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والغش، مثل: بيع الحصاة٤٦ وبيع الغرر٤٧ وبيع الملامسة٤٨ وبيع النجش٤٩؛ وكذلك التطفيف في الوزن والكيل، وغير ذلك من المفاسد الاقتصادية التي كانت منتشرة بين الجاهليين، وهي تضر بالفرد والمجتمع، وقد نهى الإسلام عن كل ذلك، وحرمه تحريمًا قاطعًا، وأوعد كل من يتعامل بأي نوع من هذه العلامات الضارة بالويل والثبور، والمعروف أن المعاملات بين الناس ضرورية لهم جميعًا؛ لأنها تتصل بحياتهم، ولا يستغني عنها فرد من الأفراد، ولا شك أن الشعراء كانت لهم صلة بها؛ فهل إذا لم نجد للأدباء نتاجًا يصور هذه الحالة الشنيعة، ويصف آثارها السيئة على النفوس، كان ذلك مطعنًا في أصالة الأدب؟ أعتقد أن أصالة الأدب شيء، وتصويره لمثل هذه الحالات وغيرها شيء آخر، ولا صلة لهذا بذلك.

فهناك ظواهر اقتصادية وغير اقتصادية لم يظهر لها أثر في الأدب؛ لأنها لم تثر عواطف الأدباء، كما أن هناك ظواهر أخرى كان لها تأثير في مشاعرهم، فسجلوها في نصوصهم الأدبية. وإن أدب الصعاليك ليصف الفقر في الجاهلية، ويدل دلالة واضحة على الشكوى والتألم من الفقر وآثاره في الإنسان.

ثم يتحدث الدكتور طه حسين في جانب آخر من جوانب الناحية الاقتصادية فيقول٥٠:

"ثم لا يمثل القرآن هذه الناحية وحدها من الحياة الاقتصادية الداخلية، وإنما يمثل ناحية أخرى أقوم وأعظم خطرًا منها: يمثل هذه الناحية التي كنا ننتظر أن يمثلها الشعر لأنها خليقة به، وتكاد تكون موقوفة عليه - نريد هذه الناحية النفسية الخالصة، هذه الناحية التي تظهر لنا الصلة بين العربي والمال، هذه الناحية التي فكرنا فيها قليلًا لم نلبث أن نتساءل عن هذا


٤٦ بيع الحصاة: قيل هو أن يقول أحد المتبايعين للآخر: ارم هذه الحصاة فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بدرهم، أو أن يبيعه سلعة، ويقبض على كف من الحصى، ويقول بكل حصاة درهم، وقيل معناه غير ذلك.
٤٧ بيع الغرر: وهو بيع المخاطرة. وهو الجهل بالثمن أو المثمن أو سلامته، كبيع السمك في الماء. والطير في الهواء.
٤٨ بيع الملامسة: على أنواع، منها أن يأتي بثوب مطوي أو في ظلمة، فيلمسه المستام، فيقول له صاحب الثوب بعتكه بكذا، على أن يقوم لمسك مقام نظرك، ولا خيار لك إذا رأيته.
٤٩ بيع النجش: أن يبيع الإنسان سلعة بيعًا صوريًّا لشخص اتفق معه على مساومته فيها بثمن كبير، لينظر إليه ناظر، فيقع فيها.
راجع تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد علي جـ٨ ص١٧٦ وما بعدها.
٥٠ في الأدب الجاهلي، ص٧٧.

<<  <   >  >>