للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشعر الجاهلي، هي البحر، والسفن، والصيد، واللؤلؤ، والمرجان فيقول٥١: "ولكني ألاحظ أن ذكر القرآن لهذا كله، وامتنانه على العرب بهذا كله، دليل قاطع على أن العرب لم يكونوا يجهلون هذا كله، بل كانوا يعرفونه حق المعرفة، كانت حياتهم تتأثر به تأثرًا قويًّا، وإلا فما عرض القرآن له، وما أقام الحجة به عليهم. فأين تجد هذا أو شيئًا من هذا في الشعر الجاهلي؟ ".

هذا ما يقوله الدكتور طه حسين، وفي هذا تحامل على الشعر الجاهلي فقد ذكرت هذه الأشياء بكثرة في الشعر الجاهلي كلما سنحت الفرصة، أو جاءت المناسبة التي تستدعي ذكر أحد منها، وإليك من هذه الكثرة مثالا جاءت فيه كل هذه الأشياء، وهو من معلقة طرفة المشهورة، إذ يقول فيها٥٢:

كأن حدوج المالكية غدوة ... خلايا سفين بالنواصف من دد

عدولية، أو من سفين ابن يامن ... يجور به الملاح طورًا ويهتدي

يشق حباب الماء حيزومها بها ... كما قسم الترب المفايل باليد

ويقول فيها:

وفي الحي أحوى ينفض المرد شادن ... مظاهر سِمطي لؤلؤ وزبرجد

تلك هي الشبهات التي أثارها الدكتور طه حسين، وبسببها دعا الباحثين إلى أن يتجهوا -إذا أرادوا صورة صحيحة صادقة للعصر الجاهلي- إلى القرآن الكريم، وأن يتجاهلوا الأدب الجاهلي.

وغني عن البيان أن القرآن الكريم ليس خاصًّا بالعرب وحدهم، وما ورد فيه ليس بلازم أن يكون موجودًا في العرب، فهو لم ينزل مؤرخًا لهم، وحتى إذا كانت الأمور التي أثارها الدكتور طه حسين موجودة بين العرب في الجاهلية، فمما سبق يتبين أن القرآن الكريم لا يصور بها حياة العرب من جميع النواحي، ولكنه يصورها في النواحي التي تعرض لها، وهي تلك


٥١ في الأدب الجاهلي، ٧٩
٥٢ ديوان طرفة للمؤلف، الأبيات: ٢٥، ٢٦، ٢٧، ٢٨.

<<  <   >  >>