التي تتصل بمبادئه وأهدافه، وأهمها الناحية الدينية، وبعض النواحي الاجتماعية التي تنظم حياة الناس، وتجعل مجتمعهم مجتمعًا صالحًا بعيدًا عن المفاسد والعيوب، فنبههم إلى أمثل النظم، ووجوه الفساد وطرق إصلاحها، فبجانب تبيانه للعقيدة الصحيحة والدين القويم، وضح لهم الصفات الذميمة والعادات السيئة التي كانت منتشرة بينهم، وحاول تنفير الناس منها، فأظهر ما فيه من فساد وقبح؛ لكي يبتعدوا عنها، فنهاهم عن الربا، والغيبة، والنميمة، وأكل أموال الناس بالباطل، والاعتداء على الآخرين، والمساس بشرفهم، كما حرم الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، ووأد البنات وغير ذلك من الأمور التي تحتاج إلى إصلاح وتهذيب؛ لأن ذلك مما يتصل بغرضه وهو هداية الناس إلى الحياة السعيدة المثلى، أما نواحي الحياة وأحوالها الأخرى التي لا تتصل بأغراض الدين الجديد ومبادئه فلم يتعرض القرآن الكريم لها.
ومن ثم، لم يتحدث القرآن الكريم عن جميع أحوال العرب سيئها وحسنها، وشرها وخيرها، ولا يتوقع منه ذلك أبدًا؛ لأنه لم ينزل واصفًا للعرب ولا مؤرخًا لهم. فمن يقتصر -في البحث عن صورة للعرب قبل الإسلام- على ما ورد في القرآن الكريم خاصًا بهم، فلن يأخذ منه صورة العرب كاملة من جميع النواحي لأنه اقتصر على ذكر علاج النواحي السيئة التي كانت فيهم ولم يتعرض لذكر ما كان فيهم من محاسن؛ ذلك لأن غرضه التهذيب والإصلاح وذلك لا يكون إلا لنواحي النقص والعيب، فهي التي تحتاج إلى تهذيب وإصلاح. أما نواحي الحسن فمسكوت عنها، وإن وعد بالثواب من يفعل الطيب أو يتبع الحسن، كما أوعد بالعقاب من يرتكب إثمًا، أو يقترف جرمًا. فالخلاصة أن القرآن الكريم وحده لا يصور حياة العرب الجاهليين من كل النواحي، وإنما يصور تلك النواحي التي تتصل بالأغراض التي جاء من أجلها الدين الإسلامي.
وفي دعوة الدكتور طه حسين إلى تجاهل الأدب الجاهلي عند البحث عن صورة صحيحة للعرب قبل الإسلام، تحامل على الأدب الجاهلي، الذي جاء إلينا عن طريق أهل العلم والثقة، وإنكار لما تضمنه هذا الأدب من حقائق في غاية الأهمية يجدر بالباحث أن يدرسها، ويستقصيها، لتعينه على تكوين صورة صحيحة صادقة للعرب قبل الإسلام، فقد ثبت أن الأدب الجاهلي في الحقيقة مصدر أساسي من مصادر تاريخ العرب الجاهليين، إذ اعترف بذلك كثير من العلماء والباحثين، من العرب والمستشرقين.