وقد حازت القبول والاحترام من العلماء والنقاد والباحثين، واعتمد عليها الجميع في دراساتهم، واعتبرت مصدرًا أساسيًّا في تصوير الأدب واللغة في العصر الجاهلي تصويرًا صادقًا صحيحًا.
تلك النصوص هي تراث الجاهليين الأدبي، وتعتبر الأساس الأول الذي قام عليه صرح الأدب العربي، فقد توارثته الأمم العربية جيلًا بعد جيل، ووجدوا فيه الزاد الفني والثقافة الأدبية الرفيعة، فعلى تراث الجاهليين أقبل أدباء العصر اللاحق، ينهلون من موارده، ويغذون أرواحهم وعواطفهم من زاده فصقل مواهبهم، ونمى مشاعرهم ووسع مداركهم حتى إذا اكتملت شخصياتهم الأدبية أضافوا إليه من نتاجهم ما يعتبر ذخيرة تعتز بها الأمة العربية.
واتبع الخلف سيرة السلف، فكان كل جيل يتربى على ما ورثه من آبائه وأجداده، ويضيف إلى ميراثه ما ينتجه من روائع، واضعًا في صرح الأدب لبنات جديدة، وهكذا سار الأدب العربي منذ العصر الجاهلي إلى اليوم، وسيظل كذلك إلى ما شاء الله.
والشعر في هذا التراث أكبر حظًّا من النثر فيه، فما ورد إلينا من شعر الجاهليين يفوق النثر في الكمية والعدد، وليس السبب في ذلك راجعًا إلى أن النتاج الشعري أسهل من النتاج النثري، بل العكس هو الصحيح، ففي الشعر -كما أشرنا- كلفة ليست في النثر، وهذه تجعله أشق تأليفًا، وأصعب منالًا، والنثر بالقياس إلى ذلك أسهل محاولة، وأيسر تركيبًا، وأقرب منالًا، فالشعر والنثر الأدبيان، كل منهما، تعبير عن العواطف في صورة مؤثرة مثيرة، لكن الشاعر -في نصه الشعري بجانب ذلك- يلتزم وزنًا وقافيةً، يجعلانه مقيدًا، مضطرًا لمراعاتهما في شعره، في حين أن الناثر متحرر منهما، فيجيء كلامه حرًّا خاليًا من القيود والالتزامات، فهو لذلك أيسر من الشعر، ثم إن الشعر -زيادة على ما تقدم- يتطلب موهبة خاصة، لا توجد في جميع الناس، وإنما تكون لدى قوم مخصوصين حباهم الله بها. ولذلك نرى رجال النثر أكثر عددًا من رجال الشعر في جميع الأمم قديمها وحديثها، وتبعًا لذلك يكون النتاج النثري -عادة- أكثر من النتاج الشعري. والقليل أو النادر، يحرص دائمًا عليه الفرد والجماعات، فيلقى من العناية والاهتمام والتقدير أكثر مما يلقى الكثير وما هو في متناول اليد؛ وإذن لا تعجب إذا لقي الشعر عناية واهتمامًا أكثر من النثر في جميع الأمم على مر العصور، ومن ثم حرص الجاهليون، والرواة، والمدونون من بعدهم، على الشعر أكثر من النثر، فوعته الأفهام، وتناقله الرواة؛ في وقت تفشو فيه الأمية، وتندر