للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان عمرو بن هند أخو قابوس بن هند ملكًا على الحيرة. وكان عمرو شديدًا، وكان له يوم بؤس، ويوم نعمى، فيوم يركب في صيده يقتل أول من لقي، ويوم يقف الناس ببابه، فإن اشتاق حديث رجل أذن له، فهجاه طرفة فقال:

فليت لنا مكان الملك عمرو ... رغوثًا حول قبتنا تخور١٨٧

من الزمرات أسبل قادماها ... وضرتها مركنة درور١٨٨

يشاركنا لنا رخلان فيها ... وتعلوها الكباش فما تنور١٨٩

لعمرك إن قابوس بن هند ... ليخلط ملكه نوك كثير١٩٠

قسمت الدهر في زمن رخي ... كذاك الحكم يقصد أو يجور١٩١

لنا يوم وللكروان يوم ... تطير البائسات وما نطير١٩٢


١٨٧ الرغوث: النعجة المرضع. تخور: تصوت. وأصل الخوار للبقرة فجعله هنا للنعجة. يتمنى أن لو كان لهم مكان الملك عمرو نعجة رغوث، تصيح بجوار قبتهم، وتدر عليهم اللبن.
١٨٨ الزمرات: القليلات الصوف؛ وخصها لأنها أغزر لبنًا، أسبل: طال وكمل. قادماها: خلفاها، وأصلها للناقة لأن لها أربعة أخلاف: قادمين وآخرين، فاستعار القادمين للشاة. والضرة: لحم الضرع. مركنة: لها أركان، أي جوانب، وأصل. وقيل: هي المجتمعة. درور: كثيرة الدر. ومعنى البيت: وتكون هذه النعجة من الغنم المشهورة بكثرة اللبن، ذات الضرة الكبيرة التي لها جوانب واسعة مملوءة باللبن على الدوام.
١٨٩ رخلان: مثنى رخل، وهي الأنثى من أولاد الضأن، تعلوها الكباش: تلقحها. تنور: تنفر. يقول: وهذه النعجة غزيرة الدر، كثيرة اللبن، قد ألفت الذكور فما تنفر منها.
١٩٠ قابوس: أخو عمرو بن هند، وكان يرشحه للملك بعده، النوك، بفتح النون: الحماقة. يقسم أن في حكم هؤلاء حمقًا كثيرًا وجهالة وضلالًا.
١٩١ في البيت يخاطب عمرو بن هند، ويذكر ما كان من يوم صيده، ويوم وقوف الناس ببابه، وقد بينه في الأبيات التالية، رخي: سهل لين. كذاك الحكم: جملة اسمية، على حذف مضاف، أي ذو الحكم. يقصد: يتوسط في الأمر. ويعدل. يجور: يظلم ويجاوز الحد. يخاطب الملك عمرو بن هند، فيقول: لقد أتيت في زمن سهل لين، فحكمت، وقسمت الزمن كما تشاء، فكنت جائرًا ظالمًا. والحكام يختلفون، منهم من يعدل ومنهم من يجور ويظلم، وأنت من هؤلاء الظالمين.
١٩٢ كروان: جمع كروان، وهو طائر معروف، ويقال له: "كرا" ومنه المثل المعروف "أطرق كرا إن النعام بالقرى" يضرب للرجل يظن أنه محتاج إليه، فتقول له أسكن فقد أمكنني من هو أنبل منك وأرفع. والنعام إنما يكون في القفار فإذا كان بالقرى فقد أمكن، وصار أقرب منالًا. البائسات: يروى بالنصب على التوهم كما تقول: مررت به المسكين، ولقيته البائس، ويروى بالرفع على القطع، أو على البدل من الضمير المستتر في "تطير". يقول: لقد كنت جائرًا حين قسمت دهرك، فجعلته يومين: يومًا لنا، لا نستطيع السير فيه، ويوما للكروان تكون فيه بائسة معذبة، ما تنزل في مكان إلا وتطير منه، خشية أن تقتلها في صيدك.

<<  <   >  >>