للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سقى الغيث قبرا بين بصرى وجاسم ... بغيث من الوسمي قطر ووابل٣٧٧

ولا زال ريحان ومسك وعنبر ... على منتهاه ديمة ثم هاطل

وينبت حوذانًا وعوفًا منورًا ... سأتبعه من خير ما قال قائل٣٧٨

بكى حارث الجولان من فقد ربه ... وحوران منه موحش متضائل

قعودًا له غسان يرجون أوبه ... وترك ورهط الأعجمين ووائل

فالنابغة هنا يذكر الفقيد بالفضل ويعترف له بالجميل ويدعو له بالخير، فتحدث عن أمجاده وشجاعته وبطشه بالأعداء، وأقر له بالأفضال الكثيرة التي أسبغها على الشاعر، فقال: إن أمواله وأسلحته وخيله وكل ما يملكه، هي من عطايا الفقيد، وأنه لو سلم من الموت لعم خيره وفضله جميع الناس، فكانت حياته حياة للآخرين وسعادة لهم، وبموته تصبح الحياة لا خير فيها. ولئن كان قد مات عن ملك ورثه عن آبائه، فلقد ذهب محمودًا مرضيًّا عنه من الجميع، وقد بكاه الناس، وأصبحت الدنيا موحشة بعده، وختم الحديث بالدعاء للمكان الذي دفن فيه بدوام الخصب وطيب الثرى.

ويتضح من شعر الرثاء أنه كان يتضمن الحديث عن مناقب الفقيد، وما كان يتحلى به من البطولة والشهامة والكرم والجود وما سجله من مآثر خالدات، ثم وصف مشاعر القوم نحو فقده.

ويلاحظ أن رثاء المقتول في الأخذ بالثأر كان أشد وأقوى من رثاء غيره، كأن شعور القوم نحوه أنه صد الخطر عنهم بنفسه، ففضله لا ينسى، ويستحق أن يخلد. وكثيرًا ما كان الشعراء في هذا المقام يقارنون بين القتيل الأول ومن قتل في الأخذ بثأر هذا القتيل، وكانوا بطبيعة الحال يفضلون الثاني على الأول. من ذلك مثلًا ما قاله عنترة العبسي حين قتلت بنو العشراء من مازن قرواشًا العبسي. وكان قرواش قتل حذيفة بن بدر الفزاري، فلما أسرته بنو مازن قتلته بحذيفة، فقال عنترة العبسي في ذلك ٣٧٩.


٣٧٧ بصرى وجاسم موضعان من الشام. الوسمي: أول المطر. وكانت العرب تدعو للقبور بالسقيا ليكثر الخصب حولها، فكل من مر دعا لها بالرحمة.
٣٧٨ الحوذن والعوف: نباتان عطريان إلا أن الحوذ أطيب رائحة. ويقصد بالشطر الثاني أنه سيثني عليه بخير القول، ويذكره بأحسن الذكر.
٣٧٩ العقد الثمين: ديوان عنترة، ص ٣٧، قصيدة رقم٩.

<<  <   >  >>