هديكم خير، أبا من أبيكم ... أعف، وأوفى بالجوار، وأحمد
وأطعن في الهيجا إذا الخيل صدها ... غداة الصباح السمهري المقصد
وكثيرًا ما يجمع الشاعر في قصيدته رثاء لأكثر من شخص واحد. فيعدد أسماء الذين قتلوا من قومه. وإن لم يكونوا قد قتلوا كلهم في معركة واحدة٣٨٠. وهذا يوحي بأن ذكرى الأبطال الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل الشرف والكرامة ما كانت لتغيب عنهم، بل كانت دائمًا ماثلة أمامهم، وحاضرة في مخيلتهم. ويتحينون الفرص الملائمة للحديث عنها والإشادة بها.
وهكذا نرى في شعر الرثاء، أن الشعراء كانوا يذكرون ما كان لهؤلاء الذين فقدوا من صفات عالية، وأخلاق كريمة، ومفاخر عظيمة، وأعمال جليلة، ويشيدون بما كان لهم من مودة ووفاء مع الأصدقاء، وشدة وبأس مع الأعداء، وجود وسخاء في أوقات الشدة والجدب، وقوة تثير الرعب والهلع، وعقول واسعة، وآراء سديدة. وما لهم من آثار لا تنسى، وهذه المعاني -سواء في الرثاء الفردي أو الجماعي- هي مما كان يتردد في أشعار الفخر والمدح.
وبالموازنة بين الأشعار التي جاءت في الأغراض الثلاثة. الفخر والمدح والرثاء يتبين ما يأتي:
تشترك الأغراض الثلاثة في تمجيد الشجاعة، والحزم والاتزان، والإباء. والدفاع عن الحمى والشرف، وتأمين الخائف، وإجابة المستغيث. والوفاء بالعهد، والخبرة بالحرب والقتال. والجود والسخاء والتضحية ومد يد العون للمحتاجين.
وبما أن الفخر والمدح يكونان لأشخاص أحياء، بعكس الرثاء فهو لميت، فقد أكثر الشعراء في الأولين من ترديد الصفات التي توحي بالقوة وتبعث الرهبة والخوف في قلوب الأعداء، كتمام الاستعداد، وكمال القوة الحربية، وواسع الخبرة الحربية، وجودة الخيل والأسلحة التي يملكها المفتخرون والممدوحون. والإكثار من الغارات. أما في الرثاء فقد اهتموا بالصفات التي تصور القتيل بأنه كان بطلًا عظيمًا: ملاذًا لقومه، وملجأً للمضطرين.
٣٨٠ راجع في ذلك مثلًا: قصيدة طفيل الغنوي، ص١٧، قصيدة رقم٢. وقصيدة دريد بن الصمة: الحماسة جـ١ ص٤٣٠.