للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالنابغة يقول للنعمان٣٩٠ إن غضبه على النابغة وتوجيه اللوم إليه، يسبب له همًّا وحزنًا وتعبًا، حتى أصبح كالمريض الذي ينام على أشواك، تتجدد من حين إلى حين، ثم يحلف أن ما حدث ليس له أساس من الصحة، وإنما محض كذب وافتراء اختلقه الواشون ليفسدوا ما بينهما. ثم يبين النابغة للنعمان أن ذهابه إلى الغساسنة ليس إلا لشكرهم اعترافًا بالجميل الذي أسدوه إلى النابغة، ومن يشكر صاحب الفضل لا يؤاخذ على شكره، وإنما أنت أيها الملك لا يدانيك ملك آخر. فليس هناك من الملوك من يشبهك أو يناظرك، فأبهتك وعظمتك وسلطانك تغطي على الأخرين، وتخفي معالمهم، كالشمس حينما تسطع تتلاشى أمامها جميع الكواكب. ثم يقول النابغة للنعمان: أرجو ألّا يكون في نفسك غضب علي، كما أدعوك ألا تضمر لي تهديدًا، وإلا كرهني الناس، لأنهم جميعًا يحبونك، ونبذوني. واجتنبوني كأني بعير أجرب قد طلي بالقطران. ويستمر النابغة فيتضرع إلى النعمان قائلًا: إن ما بيني وبينك ليس إلا واحدة من حالتين: إما أن أكون مذنبًا، وإما أن أكون بريئًا. فإن كنت مذنبًا، فأنا بشر. وليس من البشر واحد كامل من جميع النواحي، فلكل إنسان عيوب وهفوات. وأنت أعظم من يعفو عن الذنوب، ويصفح عن الهفوات، فأنت أهل الرضا والإكرام، وإن كنت بريئًا، فلست أنا إلا عبدًا وللسيد حق التصرف في عبده، وأنا راضٍ بسيدي، حبيب إليّ جميع تصرفاته، ولا أبغي إلا رضاه ومسرته.

وقال النابغة الذبياني يمدح النعمان ويعتذر إليه. ويهجو مرة بن ربيعة لما وشى به عند النعمان٣٩١.

عفا ذو حسا من فرتنا فالفوارع ... فجنبا أريك فالتلاع الدوافع٣٩٢

توهمت آيات لها فعرفتها ... لستة أعوام وذا العام سابع

فكفكفت مني عبرة فرددتها ... على النحر منها مستهل ودامع٣٩٣


٣٩٠ ديوانه ص٩١.
٣٩١ ديوانه ص٩١.
٣٩٢ عفا: درس وذهبت معالمه. البلعة: مجرى الماء من أعلى الوادي. الدوافع: التي تدفع الماء إلى الوادي. فرتنا: اسم امرأة. وباقي الأسماء أمكنة.
٣٩٣ كفكفت: كففت. المستهل: السائل المتصبب.

<<  <   >  >>