للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان الصبر في القتال والنصر في الحروب من أعظم مفاخر العرب في الجاهلية. ولا سيما إذا كان الشاعر المفتخر من الفرسان، من ذلك مثلًا ما حدث يوم فيف الريح. وكان بين بني عامر بن صعصعة قوم عامر بن الطفيل، ذلك الشاعر الفارس. وبين بني الحارث بن كعب، حيث جمعت قبائل شتى، منهم زبيد وسعد العشيرة ومراد ونهد وخثعم وشهران، وأقبلوا يريدون بني عامر وهم ينتجعون مكانًا يقال له فيف الريح. فاقتتلوا، وكان عامر بن الطفيل يتعهد الناس، فيقول: يا فلان ما رأيتك فعلت شيئًا. فمن أبلى فليرني سيفه أو رمحه. فانتهز الفرصة رجل من أعدائه بني الحارث اسمه مسهر. فقال: يا أبا علي، انظر إلى ما صنعت بالقوم. انظر إلى رمحي وسناني، فلما أقبل عامر لينظر وجأه مسهر بالرمح في وجنته ففلقها وانشقت عين عامر. ثم افترقوا، فقال في ذلك عامر بن الطفيل٤١٤:

لقد علمت عليا هوازن أنني ... أنا الفارس الحامي حقيقة جعفر

وقد علم المزنوق أني أكره ... على جمعهم كر المنيح المشهر

إذا ازور من وقع الرماح زجرته ... وقلت له: ارجع مقبلا غير مدبر

وأنبأته أن الفرار خزاية ... على المرء ما لم يبل جهدًا ويعذر

ألست ترى أرماحهم فيَّ شرعا ... وأنت حصان ماجد العرق فاصبر

لعمري وما عمري على بهين ... لقد شان حر الوجه طعنة مسهر

فبئس الفتى إن كنت أعور عاقرًا ... جبانًا، فما عذري لدى كل محضر

وما رمت حتى بل نحري وصدره ... نجيع كهداب الدمقس المسير

أقول لنفس لا يجاد بمثلها ... أقلي المراح إنني غير مقصر

فلو كان جمع مثلنا لم نبالهم ... ولكن أتينا أسرة ذات مفخر

فجاءوا بشهران العريضة كلها ... وأكلب طرًّا في لباس السنور

وهكذا كان الأبطال يثبتون في ميادين القتال ويصمدون في مواجهة الخطر، ولا يولون الأدبار خشية الخزي والعار، وإذا حدث من المقاتل تصرف اضطرته إليه ظروف حرجة.


٤١٤ مفضلية رقم ١٠٦.

<<  <   >  >>