للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكل كريم يتقي الذم بالقرى ... وللخير بين الصاحلين طريق

لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ... ولكن أخلاق الرجال تضيق

فهذه الأبيات تبين لنا كيف كان السائر في الصحراء ليلًا يتصرف إذا ضل الطريق، وساءت به الظروف، لقد كان ينبح كما ينبح الكلب لتجيبه الكلاب بالنباح، فيعرف مكانها، وهي لا تكون إلا مع أصحابها فيذهب إليهم، وينزل عليهم ضيفا، والشاعر هنا يروي كيف كان العربي يعامل هذا النزيل في مثل هذه الحال، لقد كان صاحب البيت يقابله بالبشاشة والترحاب وينزله منزلًا جميلًا، كأنما يعيش في بيته، ووسط أهله وعشيرته، وفي الحال يذهب إلى أكرم إبله فيذبحه، ويهيئ لضيفه طعامًا شهيًّا. ويقضي معه السهرة في سمر حلو جميل، ويشعره أنه أخ وحبيب، فإذا أراد النوم، أعد له فراشًا وثيرًا، دافئًا. وجهز له ما يقدم له في الصباح وفي المساء من طعام وشراب. ثم يعقب الشاعر على ذلك بأن الخير دائمًا موجود، ويستطيع كل من يريد الخير أن يفعله، والعاقل الكريم، هو الذي يتحاشى ذم الناس، بفعل الخير، وذلك لن يكلفه كثيرًا، فطريق الخير سهلة ويسيرة، وليس هناك ما يؤلم الإنسان أكثر من سوء الأخلاق.

وفي وصف لمجلس من مجالس اللهو والمرح بين صحبة يجمعهم الحب والإخاء، يقول ثعلبة بن صعير المازني٥١٦:

أسمي ما يدريك أن رب فتية ... بيض الوجود ذوي ندى ومآثر٥١٧

حسني الفكاهة لا تذم لحامهم ... سبطي الأكف، وفي الحروب مساعر٥١٨

باكرتهم بسباء جون ذارع ... قبل الصباح وقبل لغو الطائر٥١٩

فقصرت يومهم برنة شارف ... وسماع مدجنة وجدوى جازر٥٢٠


٥١٦ المفضليات ص١٣٠ ب١٥ - ١٩.
٥١٧ ندى: كرم. مآثر: مفاخر وأمجاد.
٥١٨ لحامهم: جمع لحم، أي لا تذم لسخائهم، وإن قراهم معد حاضر. السبط: المرسل، والمراد أن أيديهم سخية، أي هم كرام. مساعر: جمع مسعر وهو الذي يسعر الحرب أي يوقدها.
٥١٩ سباء: اشتراء الخمر. جون: أسود. أراد به زق الخمر. ذارع: كثير. لغو الطائر: صياحه.
٥٢٠ شارف: ناقة مسنة. ورنتها: صوتها عند النحر. سماع مدجنة: سماع قينة تغني في يوم الدجن وهو اليوم الكثير الغيم، والسماع واللذة يوم الدجن أطيب منه في غيره. جدوى: عطية، أراد ما يتحفهم به الجازر من أطايب الطعام.

<<  <   >  >>