للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

زواجها كان ظلمًا، وهي متقلبة في معاملتها له، فيومًا تقبل عليه بوجه جميل باسم، وجبين مشرق ناضر، ويومًا تأتي عابسة الوجه، مقطبة الجبين، مشتطة في طلباتها المالية؛ لحاجاتها الخاصة وحدها، فإن لم يعطها ما تطلب، انقلبت إلى ثورة، وهياج، وصراخ وعراك، وأيمان، فتطير النوم عنه وعنها، ويملأ ضجيجها وقسمها وأصواتها النابية بيوت الجارات، فحذرها، في صرامة وجد، بأنها إن لم تنته عما هي فيه، فسوف تندم ندامة لا تفارقها وتحرم من كل خير وسعادة طوال حياتها.

وفي العشيرة الواحدة قد تحدث الخصومات والمشاجرات بين أبناء العمومة، فتثور النفوس، وتضطرب المشاعر، ويتصارع ما تستوجبه القرابة من حب ومودة، وما تدعو إليه من إخاء وتعاون، مع ما تحدثه الخصومة من تباغض وفرقة، وما تستدعيه من وعيد وتهديد. وفي هذا يقول ذو الأصبع العدواني٥٢٨:

ولي ابن عم على ما كان من خلق ... مختلفان فأقليه ويقليني

أزرى بنا أننا شالت نعامتنا ... فخالني دونه بل خلته دوني٥٢٩

لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب ... عني، ولا أنت دياني فتخزوني٥٣٠

ولا تقوت عيالي يوم مسغبة ... ولا بنفسك في العزاء تكفيني

فإن ترد عرض الدنيا بمنقصتي ... فإن ذلك مما ليس يشجيني٥٣١

ولا يرى في غير الصبر منقصة ... وما سواه فإن الله يكفيني

لولا أياصر قربى لست تحفظها ... ورهبة الله فيمن لا يعاديني٥٣٢

إذا بريتك بريًا لا انجبار له ... إني رأيتك لا تنفك تبريني

إن الذي يقبض الدنيا ويبسطها ... إن كان أغناك عني سوف يغنيني


٥٢٨ المفضلية رقم ٣١.
٥٢٩ أزرى به: عابه. شابت نعامتنا: تفرق أمرنا.
٥٣٠ لاه ابن عمك: أراد: لله ابن عمك.
٥٣١ يشجيني: يحزنني.
٥٣٢ في الأمالي وبعض النسخ "أواصر" بالواو بدل الياء، وفي منتهى الطلب بالروايتين. والأواصر: جمع آصرة، وهي ما عطفك على رجل من رحم أو قرابة أو صهر أو معروف. والأياصر: جمع أيصر، حبل صغير يشد به أسفل الخباء، وأراد به هنا حبل القرابة.

<<  <   >  >>