المتأخرين قد فقد الكثير منها كليًا، أو فقد بعضه، وتفرق البعض الآخر في بطون مؤلفاقط أخرى، بحسب ما أتيح لكل مؤلف الحصول عليه من تلك التواريخ، رغم الشتات، والضياع، والحرق، والغرق، الذي تعرض له التراث الإِسلامي، كما هو معروف لأهل العلم والاختصاص.
وأذكر أنني أول ما سجلت رسالتي العالمية (الدكتوراة) عام ١٩٧١ م كانت بعنوان: "منهج الإِمام البيهقي في السنن الكبرى, مقارنًا بالسنن الأربعة"، وعملت في جمع المادة العلمية لذلك وتنسيقها لمدة عام كامل، فلما أردت الدخول في فحص أسانيد البيهقي في "السنن"، استعصى الأمر عليَّ بسبب مصادر تراجم شيوخ الإِمام البيهقي وشيوخ شيوخه، وذهبت إلى الشيخ الحافظ التيجاني - رحمه الله - في مقره بحي الغورية بالأزهر لمشورته في الأمر، وبمجرد أن ذكرت له عنوان الموضوع، قال لي: إنه موضوع جيد؛ لكن الوقوف على تراجم شيوخ البيهقي وشيوخ شيوخمه, أمر عسير الآن، فخرجت من عنده، وقررت تغيير الموضوع إلى "الحافظ العراقي وأثره في السنة"، لكَن الله تعالي هيأ عزائم كثيرين غيري من أفاضل شيوخي، وأهل عصري، لجمع ما أمكنهم من تراجم رجال ونساء هذه الأسانيد المتأخرة، وبيان ما تيسر من أحوالهم:
وأذكر الآن أنه عندما كنت أدرِّس مادتي التخريج ودراسة الأسانيد في قسم السنة وعلومها بكلية أصول الدين بالرياض، منذ أكثر من عشرين سنة، اقترح أعضاء القسم أن يكون من ضمن النشاط الطلابي، جمع رجال "سنن الدارقطني" المتوفى سنة ٣٨٥ هـ غير المترجمين في "تهذيب التهذيب"،