وبمقدار ما يكون عدد هؤلاء الفقهاء مبثوثًا بين المسلمين، تكون حالتهم قريبة من الاستقامة، كما يكون أمرهم صائرًا إلى التضاؤل بمقدار قلة وجود هذا الفريق بين أظهرهم، ففي صحيح البخاري قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله» قال البخاري: وهم أهل العلم.
وفي الحديث:«العلماء ورثة الأنبياء»، وهو حديث حسن، وفي الحديث:«علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل» وهو حديث ضعيف السند، لكنه صحيح المعنى، فوجود هؤلاء العلماء في عصور عدم الاضطرار إليهم منة من الله تعالى إلا الأمة لتحسين حالها، ووجودهم في حالة اضطرار الأمة عصمة من الله تعالى للأمة ولطف بها لإنقاذها من التهلكة، وقد يحتاج الدين وأهله إلى الاجتنان بجنة القوة لحماية الحق وإقامة الشريعة، كما أشار إليه قوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ}[الحديد: ٢٥]، فذلك هو موقع المقام الثالث لذلك منح الله الأمة مجددًا على رأس كل مائة سنة.
روى أبو داود في سننه في أول كتاب الملاحم: حدثنا سليمان بن داود المهري، أخبرنا ابن وهب، أخبرني سعيد بن أبي أيوب عن شراحيل بن يزيد المعافري، عن أبي علقمة عن أبي هريرة فيما أعلم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:«إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، قال أبو داود عبد الرحمن بن شريح الإسكندراني: لم يجز به شراحيل. أ. هـ.
يعني أن عبد الرحمن بن شريح وقف عند شراحيل ولم يرفعه، فهو في رواية ابن شريح مقطوع، وليس مرفوعًا إلا في رواية ابن وهب هذه.
قال ابن عدي في الكامل: لا أعلم من يرويه غير عبد الله (يعني: ابن وهب) عن سعيد (ابن أبي أيوب) ورواه عنه، (أي: عن ابن وهب) عمرو بن سواد، وحرملة بن يحيى وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب ابن أخيه (أي: ابن أخي عبد الله بن وهب) ولم يروه عنه غير هؤلاء الثلاثة أ. هـ. فابن عدي لم يطلع على