أمور المسلمين وبشارة لهم بما يعرفون به تولي الله تعالى حفظ هذا الدين كما جمعه قوله - صلى الله عليه وسلم -: «حياتي خير لكم ومماتي خير لكم»، وفي ذلك الغرض جاء قوله تعالى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}[آل عمران: ١٤٤]، وقوله تعالى:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ}[النصر: ١] إلى آخر السورة، وقد صرح عبد الله بن عمر في حديثه الذي ذكرته آنفًا بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:«أرأيتكم ليلتكم هذه» إلخ، في آخر حياته وهو نظير هذا الحديث.
فالظاهر أن رسول الله قال هذا القول في شأن المجدد في سنة عشر أو في سنة إحدى عشرة من هجرته، لا سيما وقد كانت سنة عشر التي حج فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع سنة استدار فيها الزمان، فقد قال رسول الله في خطبة اليوم التاسع أو العاشر من ذي الحجة آخر تلك السنة:«إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض» فمبدأ سنة إحدى عشرة هو مبدأ السنة الإسلامية التي درج عليها أهل الحنيفية وهي الموالية للسنة التي ابتدأ فيها أهل الجاهلية عمل الشهر فهي مبدأ جديد للسنين الإسلامية التي جعلها الله، كما دل على جعلها قوله تعالى:{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} إلى قوله: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ}[التوبة: ٣٦، ٣٧].
فإن كان المراد من «رأس مائة سنة» أول مائة سنة تأتي كما هو الظاهر، فالمجدد الأول هو أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - وهذا هو الأظهر، وإن كان المراد رأس مائة سنة تمضي فالمجدد الأول هو من ظهر لتجديد الدين في حدود سنة عشر ومائة من الهجرة.
وكل ذلك يوقنك بأن ما سلكه تاج الدين السبكي في تعيين المجددين للدين وضبطه ذلك بموافقة وفاة من نحلهم صفة المجدد مبادئ مرور المئين من السنين ابتداء من يوم الهجرة قد أخطأ فيه من وجهين عظيمين وإن كانا خفيين، أحدهما: إناطته ذلك بوقت وفاة من توسم فيه صفة المجدد مع أن مقتضى الحديث أن يكون عمل المجدد منوطًا بوقت ظهوره أو انتشار أمره وقوة عمله في تجديد الدين كما يفصح عنه لفظ: «يبعث الله» الواقع في الحديث الذي هو بمعنى يقيم الله، ولفظ:«يجدد»