وذهب ابن عطية إلى أن صيغة التفاعل هنا غير مستعملة في معناها الأصلي وهو الدلالة على وقوع الفعل من جانبين فأكثر، بل هنا لحصول الفعل من جانب واحد للمبالغة مثل: التواضع والتمايل، فيكون المعنى: ذلك يوم الغبن، أي: يوم غبن الكافرين، وهو ينحو إلى تفصيل كلام نقل عن مجاهد في تفسير الآية هو أقرب إلى الاستعمال وأبعد عن التعسف ولكنه لا يشفي الغليل؛ لأن الأشقياء والكفار لم يغبنوا فيما لقوه، بل أخذوا حقهم من العذاب فلم يحصل معنى أصل الغبن فضلًا عن المبالغة فيه المستفادة من مادة التفاعل التي لا يحسن ادعاؤها إلا إذا كان أصل الفعل واقعًا، فهذا التفسير وإن خرج من ورطة عدم صحة التفاعل لم يخرج من ورطة عدم وجود أصل مادة الغبن.
وجميع التفاسير مع رأينا لم يخرج عن هذين المعنيين إما مع ضبط أو مع تخليط، ومنهم من مرَّ بالآية مرًّا ولم يحتلب منها درًّا، أما أنا فأكد ثمادي، وأستهدي بالهادي فأقول
ليس المعنى في الآية حاصلًا من مراعاة معاني المفردات لا على وجه الحقيقة ولا على وجه المجاز، ولكنه معنى عزيز جليل حاصل من مجموع التركيب، وهو قوله:{ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} فقد أشار الحصر الادعائي الذي قدمنا بيانه إلى أن المخاطبين يحسبون أيامًا كثيرة أيام تغابن قد عرفوها واشتهرت، وأن المتكلم يحسب أن تلك الأيام التي عرفها الناس ليست بأيام تغابن، وأن هذا اليوم المتحدث عنه هو يوم التغابن لا غيره من الأيام، فبنا أن نتعرَّف الأيام التي يعدها المخاطبون أيام تغابن، وأن نرجع إلى أحوال المخاطبين وهم أهل مكة ومن حولهم ذلك أن {التَّغَابُنِ} هنا قد أضيف إليه {يَوْمُ} فعملنا أن ليس المراد من التغابن تغابن آحاد الناس في بيوعاتهم الخاصة التي تعرض من شاعة إلى أخرى وفي يوم وآخر، بل المراد تغابن يحصل في يوم معين يكثر فيه التبايع فيغبن فيه ناس كثير ويتربص فيه بعض الناس ببعض لإلحاق الغبن والخسارة، ولا نجد أيامًا بهذه الصفة غير أيام الأسواق، وقد كانت قريش أهل تجارة وكانت الأسواق حول مكة في الحج سوق عكاظ، وسوق ذي المجاز، وسوق مجنة، فكل داخل إلى الأسواق يحرص على أن يجلب الربح إلى نفسه ويغبن غيره ويحذر من أن يغبنه غيره، فكل يترقب الربح ويحذر الخسارة ولا يرضى لنفسه أن يكون مغبونًا؛ لأن الغبن يؤذن بغباوة المغبون واستخفاف الناس به وتمشي الحيلة عليه، وكل هذه أوصاف يأباها العربي، فشبه في الآية حال الناس يوم القيامة بحال