وقوله تعالى:{مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} المقام اسم على وزن المفعل مشتق من القيام مراد به مكان القيام، والقيام يطلق أيضًا على الوقوف للدعاء والعبادة كالصلاة، فمقام إبراهيم يصح أن يكون المراد منه مسجد إبراهيم مصلى ومحل وقوفه بين يدي ربه، كما قال زيد بن عمرو بن نفيل:
عذت بما عاذ به إبراهيم ... مستقبل الكعبة وهو قائم
وعليه فمقام إبراهيم هو البيت فيكون قوله:{مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} مرفوعًا على الاستئناف كالنعت المقطوع، أي: هو مسجد إبراهيم، والغرض من الإضافة لهذا الاسم التنويه بالمضاف لزيادة تشريف المضاف، ويصح أن يكون المقام مشتقَّا من مطلق القيام، أي: محل قيام إبراهيم لبناء الكعبة، كقول أبي طالب المتقدم.
وموطئ إبراهيم في الصخر قائمًا ... ... (البيت).
فيكون المراد بالمقام الحجر الذي فيه أثر قدمي إبراهيم - عليه السلام - وهو مما أطلق عليه المقام من عهد الجاهلية وفي الإسلام، وقد قيل إنه المراد في قوله تعالى:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}[البقرة: ١٢٥]، وقال الفرزدق: ...
فيكون رفعه على أنه بدل من «آيات» بدل مفصل من مجمل غير أن المبدل منه جمع والبدل مفرد فلم يذكر بقية المفصل اكتفاء بالمهم من الآيات، وعلى هذا المعنى فسر الزجاج وتبعه الزمخشري، وزاد فجعل مقام إبراهيم بمنزلة آيات كثيرة لقوة دلالته أو لأنه يشتمل على آيات؛ لأن بقاء أثر القدم في الصخرة الصمَّاء آية، وغوصه فيها إلى الكعبين آية، ولأنه بعض الصخرة دون بعض آية ا. هـ.
وقوله تعالى:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا}[آل عمران: ٩٧]، لفظه لفظ الخبر، والظاهر أن معناه كذلك فيكون من جملة صفات البيت، ويكون هذا من دلائل عناية الله بما سخر الأمم وألهمهم لاحترامه وتأمين داخله؛ فقد كان العرب مع شدة حقهم على أعدائهم يلقى الرجل في المسجد الحرام قاتل ابنه أو أبيه فلا يتعرض له، ويكون هذا المعنى آية ثانية؛ فيكون البدل من الجمع قد وقع باثنين وسكت عن الثالث، ونظيره في الكشاف بقول جرير:
كانت حنيفة أثلاثًا فثلثهم ... من العبيد وثلثٌ من مواليها