الحياء، والاستئناس، أو الاستقراء الكثير، أو كون القول في نفسه ذا شرط دقيق لأن يكون حقَّا صرفًا، فلا يمكن لذلك الشرط ويؤخذ على الإطلاق». انتهى كلام الشيخ ابن سينا.
فوصف دين الإسلام بأنه فطرة الله، معناه: أن أصول الاعتقاد جارية على مقتضى الفطرة العقلية، وأن تشريعه جارٍ على وفق ما يدرك العقل فائدته، ويشهد بصلاحه، وأن النواهي والزواجر وقوانين المعاملات جارية على ما تشهد به الفطرة؛ لأن طلب صلاح المجتمع محبوب في الفطرة؛ ولهذا فإن شواهد الفطرة قد تكون واضحة بينة، وقد تكون خفية، فإذا خفيت المعاني الفطرية أو التبست بما ليس فطريًّا؛ فالمضطلعون بتمييزها وكشفها هم العلماء الحكماء أهل النظر الذين تمرسوا بممارسة الحقائق والتفريق بين متشابهاتها وسبر أحوال البشر، وتعرضت أفهامهم زمانًا لتعاريف الشريعة وتوسموا مراميها وغاياتها، وعصموا أنفسهم بوازع الحق عن أن يميلوا مع الأهواء.
إن المجتمع الإنساني قد مُنِيَ بأوهام وعوائد وبمألوفات أدخلها عليه أهل التضليل فاختلطت فيه بالعلوم الحقة، وتقاول الناس عليها، وارتاضوا على قبولها فالتصقت بعقولهم التصاق العنكبوت ببيته، فتلك التي يخاف منها أن تتلقى بالتسليم على مرور العصور فيعسر إقلاعهم عنها وإدراكهم ما بينها من انحراف عن الحق فليس لتمييزها إلا أهل الرسوخ أصحاب العلوم الصحيحة الذين ضربوا في الوصول إلى الحقائق كل سبيل، واستوضحوا خطيرها وسليمها فكانوا للماشين خير دليل.
وكون الإسلام دين الفطرة وصف اختص به الإسلام من بين سائر الأديان؛ لأن مسايرته الفطرة مطَّردة في أصوله وفروعه، وأما سائر الأديان فقد بنيت أصول الاعتقاد فيها على مراعاة الفطرة ولم يطرد ذلك في شرائعها الفرعية، وهذا ما أفاده قوله تعالى:{ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}؛ لأن الله جعله خاتمة الأديان وجعله باقيًا في جميع العصور وصالحًا بجميع الأمم فجعله مساوقًا للفطرة البشرية ليكون صالحًا للناس كافة، وللعصور عامة، وفي قوله {الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}[الروم: ٣٠]، بيان لوجه الإضافة في وصفه بفطرة الله وتصريح بأن الله خلق الإنسان سليم العقل مما ينافي الفطرة من العقائد الضالة والعوائد الذميمة بما يدخل عليها من ذلك ما هو