لا نجاح لها إلا بولاة من بني هاشم وأنصارهم، ثم وجد جميعها لا يعدو خدمة ثلاثة أحزاب، فقسم يلمح إلى العلويين وهو معظمها، وقسم يلوح إلى العباسيين، وقسم بقي مطلقًا لبني هاشم، ومن هذا القسم ما يظهر أنه قصد منه الانتصار للزبيرية والقصد من ذلك الحط من الأمويين، ومن العجب أنك تجد في بعض رواياتها التجاوز إلى تعيين المقصود الأخص من منحليها، فبعضها يسمي القبائل مثل: تميم وكلب وأهل الشام وأهل العراق، وبعضها يسمي البلاد: مكة والمدينة والشام والعراق والكوفة والزوراء ودمشق وبيت المقدس وطبرية والأردن ومصر والقسطنطينية وكركة وخراسان وإصطخر والمشرق، وبعضها يسمي الأشخاص: السفياني والقحطاني والنفس الزكية والمنصور والسفاح وشعيب بن صالح التميمي، وكثير منها تصرح بأن اسم المهدي محمد واسم أبيه عبد الله، فإذا رجعت إلى ما قدمته لك في التمهيد لم يعوزك التحكم في شأنها فبصرك اليوم حديد.
وهذا المبحث على تقادم عهده وإخفاق زنده هو من المباحث التي رأى للمسلمين الإعراض عن الاشتغال بها تعضيدًا أو تزييفًا، وأعجب لتفاقم الجدال في شأنها، وشأنه أن يكون خفيفًا؛ إذ هي مسألة لا تفيدهم عملًا في دينهم ولا في دنياهم، فما كان لها من الأهمية لدى طوائفهم أن تكون شغل أُولَاهُم وأُخْرَاهُم، ولكن حين عنَّ فيها الجدال وكثر القيل والقال فحقيق بالعلم عندئذٍ إظهار سلطانه، ليحق الحق ويدع الباطل راسبًا في أشطانه.