الضبط من الرواة الذين جُربوا المرة بعد المرة وأعيدت عليهم الأحاديث وقلبت لهم فثبتوا فيها وأتوا بها على وجوهها مع تجربة حفظهم ويقظتهم.
ومن هذا النوع أن يروي الراوي الحديث بالمعنى فيغير المعنى بتغيير اللفظ.
وهذا القسم أشد الأقسام خطرًا؛ لأن الناس عرضة للنسيان والغلط؛ ولأنه إذا وقع من أهل العدالة تلقته الناس عنهم فشاع بينهم، فلذلك كانت العناية بصرف الهمة إلى تمحيص هذا النوع أوكد وأولى؛ ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها، فرب حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه إلى من ليس بفقيه».
وأما الترويج، فهو متابعة ما يرغب فيه الطالبون مما ليس بمفيد كمالًا في الرواية.
فالترويج يكون لترويج المذهب والنحلة أو لترويج المقصد، وإنما كان الترويج سببًا للوضع؛ لأن المُروَّج قد يقتنع بوقوع الحديث على وفق مطلبه فتصرفه موافقته لمراده عن نقده وتمحيصه، فإذا انضم إلى الترويج شيء من التساهل في الرواية ومن ضعف العدالة كان خطرًا.
ومن الترويج ما يسمى بالتدليس مثل تدليس الأسماء بان يعطيّ شخصًا اسم شخص آخر تشبيهًا؛ كأن يقول: حدثني مالك بن أنس، ويريد البصري الخارجي، وسمع سحنون رجلًا يحدث عن ابن نافع، فقال له: أنت أدركت ابن نافع، فقال: أردت الزبيري ولم أرد الصائغ، فوبَّخه سحنون، وقال:«ماذا يظهر بعدي من العقارب».
ومنه ما قاله الحافظ أبو عُمر في التمهيد: أن يحدث الرجل عن الرجل قد لقيه وأخذ عنه بما لم يسمعه منه، وإنما سمعه بالواسطة ممن ترضى حاله أو لا ترضى، فهذا مؤذن بأنه ما حذف الواسطة إلا لنقص تخيله فيه، غير أنه إذا كان من أهل الضبط اغتفر له ذلك، فدفع هذا هو ضبط تاريخ الرواة ومن لقي منهم غيره، ومن لم يلقه ومقابلة ذلك بروايات أقرانه، مع التوخي في ألفاظ التحديث مثل الفرق بين سمعت فلانًا وبين عن فلان.
وأما التفاخر فهو اعتناء الراوي بإشهار مروياته حبًّا للمحمدة، ويكون بأمور منها: الإكثار من الرواية، ومنها: الاعتناء بتخريج الغريب، أي: الذي لا يعرف، ومنها: الولع بمحسنات الحديث وكل ذلك وإن كان لا يقتضي كذبًا إلا أنه قد يجر