الخليفة أبي جعفر المنصور، روى أبو مصعب أن أبا جعفر المنصور الخليفة قال لمالك:«ضُمَّ هذا العلم يا أبا عبد الله ودوَّنه كتبًا وتجنب فيها شدائد عبد الله ابن عمر، ورخص ابن عباس، وشواذ بن مسعود، واقصد أوسط الأمور، وما اجتمع عليه الأئمة والصحابة»، وقال الكيا الهراسي: كان الموطأ سبعة آلاف حديث فلم يزل مالك ينتقيها حتى بقي فيه سبعمائة حديث، وفي المدارك لعياض قال سليمان بن بلال:«لقد وضع مالك الموطأ وفيه أربعة آلاف حديث فمات وهي ألف حديث ونيَّف يخلصها عامًا عامًا بقدر ما يرى أنه أصلح للمسلمين وأمثل في الدين»، وبوَّبه وصنَّفه على أبواب الفقه، وجعل فيه كتاب الجامع وهو أول من ترجم بهذه الترجمة، وفسر ما وقع فيه من غريب الألفاظ العربية، وروى فيه من الآثار ما سلم في معيار النقد وجرب من جهات الصحة؛ فلذلك كانت أحاديث الموطأ أصح الأحاديث، وقد اتفقوا على أن أصح الأسانيد: مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
من أجل ذلك كله اتفق أئمة الدين والحديث على أن الموطأ ما جمع إلا الحديث الصحيح، وأنه أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى، وفي هذا المعنى عبارات مأثورة، قال ابن مهدي: ما كتاب بعد كتاب الله أنفع للناس من الموطأ، وقال: لا أعلم من علم الإسلام بعد القرآن أصح من موطأ مالك، وقال الشافعي: ما في الأرض كتاب في العلم أكثر صوابًا من كتاب مالك، وقال أيضًا: ما على الأرض كتاب أصح من كتاب مالك، وقال أيضًا: ما كتب الناس بعد القرآن شيئًا هو أنفع من موطأ مالك، فالموطأ أول كتاب دُوَّن في الصحيح عند المحققين من الأئمة، قال القاضي أبو بكر ابن العربي في مقدمة كتابه عارضة الأحوذي على كتاب الترمذي: اعلموا -أنار الله أفئدتكم- أن الموطأ هو الأول واللباب، وكتاب الجعفي هو الثاني في هذا الباب وعليهما بناء الجميع كالقشيري أي:(مسلم) والترمذي.
وقال السيوطي: قال بعض العلماء: إن البخاري إذا وجد حديثًا يؤثر عن مالك لا يكاد يعدل به إلى غيره حتى إنه روى في صحيحه عن عبد الله بن محمد ابن أسماء عن عمه جُويرية بن أسماء عن مالك (يعني: بواسطتين بينه وبين مالك