مكشوفات الوجوه، والدواعي للخروج كثيرة في كل زمان ومكان، ولو كان الأمر كذلك لكان في حثه وسؤاله وإرشاده لهم بأهمية النظر للمخطوبة تحصيل حاصل بلا فائدة وحاشاه بأبي وأمي - صلى الله عليه وسلم - فهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي، ولهذا فعلم عليه الصلاة والسلام أن صحابته سيتحرجون من النظر للنساء وسيجدون في سبيل ذلك حواجب وموانع بعد أن نزل أمر الحجاب، ولو كان ستر الوجه ليس مفروضاً عليهن وإنما هو سنة ومستحب كما يقوله البعض لكان أعلم الناس بذلك صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولقاموا من أنفسهم وطلبوا من النساء ما أباح الله لهن كشفه، ولما احتاجوا أن يتلمس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاجتهم، أو أن يُبين لهم أمراً هو في أصله مباح بل بلَغ من سترهم وحجابهم أن أحدهم كان يخطب المرأة ولما يراها، فيتدخل نبي الأمة ليشفع لأحد صحابته عند ولي المخطوبة حتى يسمح له أن ينظر لموليته (١) بل ولما احتاج أن يخبرهم بجواز أن ينظر الخاطب لمن أراد خطبتها بأي وسيلة ما دام مقصده وغرضه صحيحا، حتى كان يختبئ أحدهم بين الأشجار والأستار لينظر إليها، فينكر عليه البعض فيخبرهم بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهل هذا كله على أمرٍ سنة ومستحب؟ أم أن هذا مما يدل على ما كان عليه مجتمعهم من تحريم وتعظيم أمر كشف النساء لوجوههن بدون سبب مبيح، وهذا ما يصور لك الأوضاع الاجتماعية لحياة الصحابة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى لم يجرؤ أحد على طلب النظرة
(١) سنأتي لهذه الأحاديث وتخريجها بمشيئة الله في مبحث الأدلة من السنة (صـ ٥٣٨ - ٥٤٠) ..