وكذلك وضوح قول البغوي والجصاص في تفسيرهم لآية الإدناء وغيرها وقد سبق في موضعه فليراجع.
فكيف يشكك في نسبة هؤلاء وغيرهم وإيهام الناس على أنهم على مذهب السفور بأدنى الاحتمالات والتأويلات في مقابل أقوالهم الصريحة؟ وبالضبط فعلوا بنصوص الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم فصرفوها وحملوها بأدنى الاحتمالات والتأويلات الباردة، لتدل في نظرهم على مذهب السفور.
والآن نرجع لما كنا وقفنا عنده من قول الإمام البغوي:(جاز للرجل الأجنبي النظر إليه إذا لم يخف فتنة وشهوة فإن خاف شيئا غض البصر وإنما رخص في هذا القدر أن تبديه) وهذا يبين لكم أنهم يتكلمون في رخصة وليس في أمر مشروع ومباح أصلا إبداؤه، فقوله (للرجل الأجنبي إذا لم يخش فتنة أو شهوة) هو لناظر مخصوص ممن جاز له النظر إليها للحاجة أو الضرورة كالشاهد ونحوه، وليس كما فهمه الكثير أنه لعموم الناس، فهذا عندهم حرام إن لم يكن لأنه عورة عندهم فلأنه فتنة وشهوة فالاختلاف هو فقط في علة التحريم، أما تحريم كشف الوجه والكفين بلا حاجة فهم مجمعون عليه كما سترى، ولكن من نظر للأمر الشرعي لستر النساء لوجوههن لكون العلة الفتنة والشهوة قال بها ومن نظر أن العلة هي العورة قال بها.