وكأنه حين أن جاء بهذا التشريف بعد أن ألغى قبله التبني وظهار الجاهلية، عني به أمومتهن بأعلى درجاتها وأسمى غاياتها، ولهذا فكان الصحابة في بداية الأمر وقبل نزول آيات الحجاب يتوافدون لبيوت النبي - صلى الله عليه وسلم - لسؤاله عن بعض قضاياهم وشئونهم وحاجاتهم، أو إجابة دعوة من أب كريم، وخلاف ذلك مما يعنُّ لهم فكانوا يكثرون المجيء ويطيلون المكث والحديث، مطمئنين عند من هو أولى بهم من أنفسهم وعند أمهات لهم كما قرره سبحانه وتعالى من فوق سبع سماوات.
فكان عمر يقول:(يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب) ولم يكن لأحد بعد قول الله تعالى أن يحجب الأبناء عن الدخول على أمهاتهم، قالت عائشة رضي الله عنها:(كان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - احجب نساءك قالت: فلم يفعل وكان أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرجن ليلا إلى ليل قِبل المناصع فخرجت سودة بنت زمعة وكانت امرأة طويلة فرآها عمر بن الخطاب وهو في المجلس فقال: عرفناك يا سودة حرصا على أن ينزل الحجاب قالت: فأنزل الله عز وجل آية الحجاب) متفق عليه.