وهذا ما عنيه تماماً القاضي عياض وهو كشفها في طريقها ولا ناظرَ لها من الرجال.
وكأنهم اعتبروها رخصة يجوز لها كشف وجهها عند خلو الطريق ولكن عند فساد الناس لم يتساهلوا فيه كما لم يتساهلوا من قبل في كشف الشابة لوجهها عند الرخصة ولو لحاجة، وكما منعوا الخاطب من النظر للمخطوبة، وهكذا شددوا حتى لا يتساهل الناس وبخاصة عند ظهور الفساد وهذا من حق الأئمة وفي مقدورهم فعله وهو رد الناس لضابط الرخص كما تقدم معنا.
١٤ - وقال في فتح العلام بشرح مرشد الأنام قوله:(نقل عن القاضي عياض المالكي عن العلماء: أنه لا يجب على المرأة ستر وجهها في طريقها وإنما ذلك سنة وعلى الرجال غض البصر عنها، وضعَّفَ الرملي كلام القاضي وذكر أن الستر واجب لذاته، ثم قال: وحيث قيل بالجواز كره وقيل: خلاف الأولى. وحيث قيل بالتحريم وهو الراجح حرم النظر إلى المنقبة التي لا يبين منها غير عينيها ومحاجرها، أي ما دار بهما كما بحثه الأذرعي لا سيَّما إذا كانت جميلة)(١) انتهى.
وانظر كيف يحتاطون وبخاصة عند جمال المراة أو شبابها أو وهي منقبة وبخاصة عند فساد الأزمان، وانظر كيف فهم الرملي مقصد القاضي عياض وكيف كان رده ونقاشه معه، فقوله (خلاف الأولى) أي أنه من الأولى خروجها مستترة ولو في عدم وجود الرجال وعلى هذا فيكون غض البصر في الحديث هو عن المرأة المنقبة، كما قال:
(١) فتح العلام بشرح مرشد الأنام (١/ ٤١) ونحوه في مغني المحتاج (٣/ ١٢٩).