فكان لفهمهم أن ذلك لسبب مبيح، وهو عرضها من أبيها رجاء أن يتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يفهموا أو يقولوا أن ذلك دليل على جواز أن تخرج المرأة سافرة بين الرجال أو أن النساء في عهده - صلى الله عليه وسلم - كن يخرجن مكشوفات الوجوه سافرات أو نحو ذلك من العبارات المحدثة مما يقوله اليوم ويبثه أهل السفور، وإنما قالوا ليس بعورة، فلا (يَلْزَمُ سَتْرُهُ) على كل حال كما هو الحال في حق أمهات المؤمنين ولكن عند الحاجة من خاطب وشهادة فيجوز.
ولهذا قال ابن حزم في "كتاب النكاح" أيضاً: (إلا أنهُ لاَ يَحِلُّ لأحد أن يَتَعَمَّدَ النَّظَرَ إلى شَيْءٍ مِنْ امرأة لاَ يَحِلُّ لَهُ: لاَ الْوَجْهَ، وَلاَ غَيْرَهُ إلا لِقِصَّةٍ تَدْعُو إلى ذَلِكَ، لاَ يُقْصَدُ مِنْهَا مُنْكَرٌ بِقَلْبٍ أو بِعَيْنٍ) انتهى.
وهو ما يعبر عنه غيره بأمن الشهوة والفتنة، بالإضافة لما سبق وذكرناه عنه أولاً والأقوال في مثل ذلك لا تحصى ولا تستقصى.
ثم يفهمون من بعض كلام ابن حزم في المُحَلى من "كتاب الصلاة" وهو يتكلم عن عورة المرأة في الصلاة وخارجها ما يدلل على كونهما ليسا بعورة وإباحة كشفهما عند الحاجة والصلاة (وَأما المرأة فإن اللَّهَ تعالى يَقُولُ: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخمرهن عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا لِبُعُولَتِهِنَّ} إلى قَوْلِهِ: {وَلاَ يَضْرِبْنَ بأرجلهن لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} فَأمرهن اللَّهُ تعالى بِالضَّرْبِ بِالخمار عَلَى الْجُيُوبِ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالْعُنُقِ وَالصَّدْرِ، وَفِيهِ نَصٌّ عَلَى إباحة كَشْفِ الْوَجْهِ