أباح كشفهما في أحوال عدة والمرأة تبتلى وتمتحن بكثرة احتياجها واضطرارها للكشف عن وجهها وكفيها في كثير من الأحوال والظروف الضرورية، فتحاشي البعض منهم من أن يؤدي القول بكونهما من العورة أن يلزم منه بطلان صلاتها عند كشفه، وكذلك عدم جواز ظهورهما في حالات الضرورة، والشريعة أباحت كشفهما فيما دون الضرورة القصوى من الحاجات الملحة كالتوثيق في حال البيوع والشراء والشهادة وغير ذلك للرجوع لها أو عليها في أي خلاف أو ضرر، وكذلك في حال الخِطبة، وفي النواحي الأمنية لمعرفة شخصها ونحو ذلك كثير، وبهذا يتضح أنهم لم يقصدوا من عدم كونهما عورة أنه يجوز كشفهما على أي حال وبدون سبب مبيح من حاجة أو ضرورة، كما ادعاه البعض، بالعكس فهم لم يقولوا بكونهما من العورة إلا لإقرارهم بوجوب ستره من الأساس وإنما قالوا ذلك ليدللوا على جواز كشفه في الصلاة وللأجنبي عند الحاجة والضرورة المؤقتة، وبخاصة أن من يقرأ كلامهم الصريح في أبواب الفقه المختلفة يعلم ذلك علماً يقينياً ويفهم مثل عباراتهم تلك ومقاصدهم، فليس بينهم وبين من يقول أنهما عورة أي خلاف حقيقي، وإنما هو خلاف صوري لا يؤثر في حقيقة أنهم مجمعون على وجوب ستر المرأة لوجهها، كما مر معنا كلام أئمة أهل التفسير على آية الإدناء، مع أن منهم من يقول أن الوجه ليس بعورة.
وسيأتي مزيد بيان وتفصيل لذلك عند ذكر التحريف والتبديل والتصحيف الذي لحق مسألة الحجاب من سوء فهم مقصد أقوال المتقدمين من الفقهاء وتقعيداتهم، إن شاء الله تعالى.