للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّاسِعُ: أَنَّ لَفْظَ "افْعَلْ" يَدُلُّ عَلَى طَلَبِ الْفِعْل؛ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنْ عَدَمِهِ؛ [كَـ "الْخَبَرِ"؛ فَإِنَّهُ لَمَّا دَلَّ عَلَى وُجُودِ الشَيءِ، كَانَ مَانِعًا مِنْ عَدَمِهِ]، وَالْجَامِعُ بَينَهُمَا: هُوَ أَنَّ اللَّفْظَ لَمَّا وُضِعَ لإِفَادَةِ مَعْنَى، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنْ نَقِيضِ تِلْكَ الْفَائِدَةِ؛ تَكْمِيلًا لِذلِكَ الْمَقْصُودِ، وَتَقْويَةً لِحُصُولِهِ.

فَإِنْ قَالُوا: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَال: "إِنَّ صِيغَةَ "افْعَلْ" لَا تُفِيدُ إِلَّا أَنَّ إِدْخَال الْمَصْدَرِ فِي الْوُجُودِ - أَوْلَى؟ ! ":

فَنَقُولُ: لَوْ كَانَ [الأَمْرُ] كَذلِكَ، لَزِمَ أَنْ يُقَال: إِنَّ صِيغَةَ الْمَاضِي وَالْمُضَارعِ لَا تُفِيدُ إِلَّا أَنَّهُ أَوْلَى بِالْحُصُولِ؛ لأَنَّ المُشْتَقَّ مِنْهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ والأَمْرِ - وَاحِدٌ.

العَاشِرُ: أَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى الْوُجُوبِ أَحْوَطُ؛ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيهِ؛ وَذلِكَ صَوْنًا لِلنَّفْسِ عَنْ ضَرَرِ الْخَطَرِ؛ [فـ] بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لِلْوُجُوبِ-: كَانَ اعْتِقَادُ كَوْنِهِ نَدْبًا - جَهْلًا، وَبِالضِّدِّ: فَالْحَظْرُ قَائِمٌ فِي الاعْتِقَادِ عَلَى كِلا التَّقْدِيرَينِ.

وَأَمَّا فِي الْفِعْلِ: فَحَمْلُهُ عَلَى الوُجُوبِ أَحْوَطُ؛ لأَنَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ نَدْبًا كَانَ الإِتْيَانُ بِهِ خَالِيًا عَنِ الْخَطَرِ، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ لِلْوُجُوبِ، كَانَ الإِتْيَانُ بِهِ مُتَعَيِّنًا؛ فَثَبَتَ: أَنَّ هَذَا أَحْوَطُ.

احْتَجَّ القَائِلُونَ بِالنَّدْبِ بِوُجُوهٍ:

===

قوله: "التاسع: أَنَّ لفظ "افعل" يدلُّ على طلب الفعل، فوجب أَنْ يَكُون مانعًا من عدمه كالخبر ... " إِلى آخره.

تقريره: أَنَّ أَمْثلة الأَفْعال الخمسة اشتركت في الدَّلالةِ على الحَدَثِ، والزمان الخاص، واختص: "فعل"، و"يفعل"، و"سيفعل" بالخبر، واختص "افعل"، و"لا تفعل" بِالطَّلب، وكما أَنَّ الخبر الصادق مانعٌ مِنْ نقِيضه، وجب أَنْ يكون الطلب جَازِمًا مانعًا مِنْ نقيضه، لإِطْبَاقِهِمْ على أنه لَا فَرْقَ بينهما سوى الخبر والطلب.

والاعتراضُ عليه: أنه لو سلم الجامع، فهو كقياس في اللغة، وجنسه ممنوع.

قوله: "العاشر: أَنَّ حمل اللفظ على الوُجُوبِ أحوطُ؛ فوجب المصير إِليه صونًا للنفس عن ضرر الخطر".

والاعتراضُ: أَنَّا لا نسلم اندِرَاج الندْبِ في حقيقة الوجوب؛ لِئَلَّا يلزم مِنَ الإِتيان بالواجب الإِتيانُ بالمندُوب، بل هما حَقِيقتَان متناقِضَتان؛ فإِنَّه يدخل في ماهِيَّة الندب جوازُ الترك، ويدخلُ في مَاهِيَّة الوجوب المنعُ مِنَ التَّرْك.

قوله: "احتج القائلون بالندب بوجوهٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>