للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ- وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَافِيًا فِي سُقُوطِ الأَمْرِ.

وَأَمَّا فَسَادُ الْقِسْمِ الثَّانِي -وَهُوَ الْقَوْلُ بِجَوَازِ التَّأْخِيرِ لَا إِلَى بَدَلٍ-: فَهَذَا يَقدَحُ فِي وُجُوبِهِ؛ لأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِقَوْلِنَا: "إِنَّهُ لَيسَ بِوَاجِبٍ"- إلا أَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ لَا إِلَى بَدَلٍ.

الرَّابعُ: لَوْ جَازَ التَّأْخِيرُ لَجَازَ: إِمَّا إِلَى غَايَةٍ مُعَيَّنَةٍ؛ بِحَيثُ إِذَا وَصَلَ المُكَلَّفُ إِلَيهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّأْخِيرُ، أَوْ لَيسَ كَذلِكَ؛ بَل يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ أَبَدًا، وَالْقِسمَانِ بَاطِلانِ؛ فَالْقَوْلُ بِجَوَازِ التَّأْخِيرِ بَاطِلٌ:

===

في سُقُوطِه.

والتحقِيقُ: أن البدل ليس مجرد العَزْم، والتَّخْيِير إنما وقع بين أن يفعل في أول الوقت، وبين أن يفعل في غيره مع العزم؛ كما نقول في المسافر: إنه مخير بين أن يصلي الظهر، أو المغرب في وقتها، أو بين أن يفعلهما في وقت الثانية، بشرط العزم، فليس العزمُ وحدَهُ بدلًا ليكتفى به.

وقد أبطل القسم الأول، وهو التأخير ببدلٍ، وهو العزمُ، بأنَّ إيجاب العزم إيجابُ ما لا دَلِيلَ عليه، فإنَّ الكلام مفروضٌ إذا لم يرد سوى طلب الماهية، فلا إشعار للفظ به، ولا دليل عليه.

وأجاب القاضي: بأنه وإن لم يشعر به لفظًا، فقد أشعر به من جهة الاقتضاء والضرورة، فإِنه إِذا لم يفعل في أول الوقت، وكان ذاكرًا للفِعْل، ولم يعزم على الفعل -كان عازمًا على الترك؛ لاسْتِحالةِ الخلو عن النقيضين، والعزمُ على الترك حرامٌ، وترك الحرام واجبٌ، ولا يتأتَّى تركه إلا بالعزم على الفِعْل، وما لا يتأَتَّى فعلُ الواجب إلا به فهو واجبٌ؛ فالعزمُ على الفعل واجب.

ورُدَّ: بأنَّ نقيض العزم على الفعل: لا عزم على الفعل، وهو أَعَمُّ من العزم على الترك.

وأُجِيبَ: بأَنَّ الترك فِعْلُ الضدُ، وفيه بَحْثٌ.

وأَمَّا فسادُ القسم الثاني: وهو جواز التأخير لا إلى بدلٍ، فلما ذكر [من] أن ذلك يقدح في وجُوبِه؛ يعني: أَنَّ الواجب ما طلب فعله على وجه لا يسوغُ تركه، أَمَّا ما يسوغ تركه، فهو المندوبُ.

وأُجِيب عنه: بأنَّ هذا لا يسوغُ تركه بالنسبة إِلى جملة الوقت، فيتحقق فيه معنى الوجوب بخلاف الندب؛ فإِنه يسوغ تركه بالنسبة إلى جملة الوقت، لا إلى بدل.

قوله: "الرابع: لو جاز التأخيرُ لجاز؛ إِمَّا إلى غاية معينة ... " إلى آخره.

تقريره: أنه لو جاز التأخير لجاز إِما مطلقًا وإما إلى غايةٍ معيَّنةٍ، والإطلاق ينافي الوُجوبَ، والغايةُ إِمَّا مجهولةٌ للمكلف، أو معلومةٌ له، والتعليق بغاية مجهولةٍ للمكلف من تكليف المُحَالِ.

والمعلومة إِمَّا بأمارة، أو لَا بأمارة، وبدون الأمارة وسواس، ولا أمارة بالإجماع إلّا ظن

<<  <  ج: ص:  >  >>