للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَّا فَسَادُ الْقِسْمِ الأَوَّلِ: فَلأَنَّ تِلْكَ الْغَايَةَ المُعَيَّنَةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً لِلْمُكَلَّفِ؛ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا بِأَلَّا يُؤَخِّرَ ذلِكَ الفِعْلَ عَنْ ذَلِكَ الْوَقتِ بِعَينِهِ، مَعَ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ وَذَلِكَ تَكلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ، [وَ] كُلُّ مَن قَال: "إِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ تَأخِيرُ الفِعْلِ إِلَى غَايَةٍ مُعَيَّنَةٍ" -[قَال]: وَإِنَّ تِلْكَ الغَايَةَ هِيَ الْوَقْتُ الَّذِي يَغلِبُ عَلَى ظَنِّهِ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْتَغِل بأَدَائِهِ فِيهَا- فَاتَهُ ذلِكَ الفِعْلُ؛ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْغَايَةُ هِيَ هَذَا الْوَقْتَ؛ وَإِلَّا لَكَانَ ذلِكَ قَوْلًا ثَالِثًا خَارِقًا لِلإِجْمَاعِ؛ وَهُوَ بَاطِلٌ.

إِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَنَقُولُ: حُصُولُ ذلِكَ الظَّنِّ: إِنْ لَمْ يَكُنْ بِنَاءَ عَلَى أَمَارَةٍ أُخْرَى -كَانَ ذلِكَ جَارِيًا مَجْرَى [ظَنِّ] السَّوْدَاويِّ؛ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ بنَاءً عَلَى أَمَارَةٍ، فَكُلُّ مَنْ قَال بِهَذَا الْقِسْمِ- قَال: إِنَّ [تِلْكَ] الأَمَارَةَ: إِمَّا الْمَرَضُ الشَّدِيدُ، أَوْ عُلُوُّ السِّنِّ؛ وَهُوَ -أَيضًا- بَاطِلٌ.

===

الفوات؛ لكبر السِّنِّ، أو مرضٍ مَخُوفٍ، ولا يصلح [واحد] منهما أن يكون أمارة؛ لعدم الارتباط لتحقق الموت فجأة بدون واحدٍ منهما.

والجواب عن قوله: الغايةُ إِمَّا مجهولة، أو معلومة بدعوى أنها مَظنُونةٌ، وأكثر الأَحْكام مبنيةٌ على غلبات الظنون.

قوله: "إنَّ عُلُوَّ السن، والمرض المخوف ينقل الموت عنهما":

قلنا: موت الفَجْأَةِ نادر، والأسباب الشرعية لا يشترط فيها الملازمة بحكمتها الشرعية قطعًا، بل تكفي فيها الملازمةُ بالأكثر ظنًّا، وموت الفجأة نادر، ولا يمتنع نصب "ظن الفوات" أمارة.

قوله في الجواب: لا شَكَّ أنه حصل في الشريعَةِ أوامرُ متراخية كأداء الكفارات، وكل ما يقولونه فهو جوابنا، يعني أنه إذا تقرر أن لنا واجبًا مُوَسَّعًا، وقد يتقيد بالعمر كأداء الكفَّارَاتِ، وقضاء بعض الفَوَائِت -فالمطلق مِنَ الأمر يكون حُكمه كذلك، وما ذكروه من الإشْكَالين يرد في الواجب الموسع، وقد قُلْتُم به، وجوابُكم عنه جوابنا هنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>