الْمُعَلَّقَ عَلَى الشَّيءِ بِكَلِمَةِ "إن" عَدَمٌ عِندَ عَدَمِ ذلِكَ الشَّيءِ؛ وَإلَّا لَم يَبقَ لِلتعَجبِ مَعنى.
وَاحْتَجَّ الخَصْمُ بِقَوْلِهِ تَعَالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣]؛ وَيَجُوزُ الرَّهْنُ عِندَ وجدَانِ الكَاتِبِ. وَقَوْلِهِ تَعَالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: ٣٣] وَذلِكَ النَّهْيُ قَائِمٌ، سَواءٌ حَصَلَتْ إِرَادَةُ التَّحَصُّنِ أَوْ لَم تَحصُل. وَقَوْلِهِ تَعَالى: {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: ١٧٢] وَالأَمرُ بِالشُّكْرِ قَائِمٌ، سَوَاءْ حَصَلَ الاشْتِغَالُ بِالْعِبَادَةِ أَوْ لَمْ يَحْصُلْ.
[وَ] الجَوَابُ: أَنَّهُ لَمَّا تَعَارَضَتِ الدَّلائِلُ، فَقَوْلُنَا أَولَى؛ لأَنهُ أَكْثَرُ فَائِدَةً.
===
ولولا أن الأمرَ المعلَّقَ على الشي بكلمة "إِن" يعدم عند عدم ذلك [الشيء]- وإلَّا لم يبق للتعجب مَعنى.
وقد عُورِضَ: بأن التعجب لا يتعينُ أن يكون لإشعارِ بالانتفاء، وترك؛ بل لما تقرر في الشرع أنَّ الأصلَ في الصلاة الإِتمامُ، وأن القَصرَ إِنما يكون لعارض، فإذا زال العارِضُ، فكان يجب الرجوعُ إِلى الأصل، لا مِن مجرد اللفظ، والذي يدل على أنَّ الأصل المستقر الإِتمامُ - قولُه تعالى: {فَلَيسَ عَلَيكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: ١٠١].
قولُه: "احتجَّ الخَصمُ بقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣]، وبقوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: ٣٣]، وبقولِه تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: ١٧٢]، ولا مفهوم لشيء منها.
وأجاب: بأنه لما تعارضت الدَّلائِلُ، فقولنا أَوْلَى؛ لأنه أكثرُ فائدة، [و] لا معنى لإشعاره بالنفي والإِثبات معًا.
والحق في الجواب: أَنَّا لا ندعي أَنَّ الشرط يدلُّ على الانتفاء قَطعًا، وإنما يدل عليه ظاهرًا بطريق الالتزام، والدليلُ الظاهر لا يمتنع تركُه؛ لامتِناعِ إجرَائِه على ظاهره، أو لدليل أرجح منه؛ كما في العموم، وهو أظهر دَلالة على ما يخرج منه من المفرادات، وهذا جواب جملي.
وأما التفْصِيليُّ: فالآية الأولَى ترك العمل بالمفهوم فيها؛ لخروجها مخرجَ الغالِبِ.
والثانيةُ لامتناع إكراه المختارات؛ لأنهن إذا لم يُرِدنَ تحصنًا فهن مريدات للبغاء، ولا إكراه مع الإرادة، وفيه بَحثٌ.
وأما الثالثةُ: فهو قوله تعالى: {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: ١٧٢] فليس جَارِيًا على الشرط الحَقِيقيِّ، وإِنما المرادُ التنبيه على المعنى المقتضى للشكر؛ كما يقول الرجلُ لولده: إِن كُنتَ ولدي فبرَّنِي، وليس شَاكًّا في البُنُوَّةِ، وإنما مرادُه أَنَّ مِن صفة الابن أن يَبَرَّ والده، ، ومثل ذلك قولُه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة