عَلَى التَّعيِينِ؛ وَعَلَى هَذَا التقْدِيرِ: يَسْقُطُ السُّؤَالُ.
وَعَنِ الثَّانِي: أَنهُ يَسْقُطُ الفَرْضُ -عِنْدَنَا- بِكُلِّ وَاحِدٍ.
فَإِن قَالُوا: يَلْزَمُ أنْ يَجْتَمِعَ عَلَى الأَثَرِ الْوَاحِدِ مُؤَثِّرَانِ مُستَقِلَّانِ؛ وَهُوَ مُحَالٌ:
===
وهذه الأحكامُ مُعَلَّلَة بالإتيانِ بالمأمورِ به وبتركه، فإذا أتى بجميع الخصال في الصورة المفروضة، أو تَرَكَ الجميعَ- فحصولُ ثواب الواجب والخروجُ عن عهدته بتقدير الفعل، والعقابُ واللومُ بتقدير التركِ:
إمَّا أن يُعَلَّلَ بالجميع: بمعنى أن كل واحد منهما جزء العِلَّة، فيلزم أن يكونَ الجميع واجبًا، وينتفي التخيير، أو بكُلِّ واحد بعينه؛ فيلزمُ اجتماعُ المُؤَثِّراتِ العديدة على أثر واحد، وهو محال، أو واحدٍ لا على التعيين، والتعليل به يستدعي وجودَه، وغيرُ المُعَيَّنِ لا وجودَ له.
وتقريره: بأنَّ كُل موجود مُتَعيِّنٌ، وعكس نقيضه، وكُلَّ ما ليس بِمُتَعَيَّنٍ لا يكون موجودًا، وما لا يقبلُ الوجودَ غيرُ مُمكِنٍ، وما ليس بممكن لا يكون مقدورًا، وما ليس بمقدورٍ لا يتعلَّقُ به طَلَبٌ، لا بالفعل ولا بالترك؛ فلا يكونُ سببًا في الثواب ولا في العقاب.
أو بِمُعَيَّنٍ عندنا: وهو خلاف الفَرضِ، فيتعينُ أن يكونَ معينًا عند الله تعالى، غيرَ معينٍ عندنا، وهو المطلوب.
والجواب الحق: أن قوله: "إنَّ غيرَ المعين لا وُجُودَ له"، إن عَنَى أنَّه لا وجودَ له متجرِّدًا فَمُسلَّمٌ، ولا ندعى وقوع التكليف به على هذا الوجه؛ فإنه محال، وإن عَنَى به أنه لا وجودَ له مع ما يُمَيِّزُه، فليس الأمر كذلك؛ فإنَّ هذا الإنسانَ المعين إنسانٌ، وهذا الدينارَ المعين دينارٌ.
وإذا تقرر أَنَّ له وجودًا بهذا الاعتبار، فلا مانع من تَعَلُّقِ الطلب والتكليف به، من جهة ما شارك به غَيرهُ، لا من جهة ما تَمَيَّزَ به، وعلى هذا وجوبُ سائر المُطلَقَاتِ في الشرع؛ كوجوب دينارٍ أو درهم أو شاة أو صاع أو ضمانِ مِثل، أو قيمة مُتْلَفٍ، أو عِتقِ رقبة، ويخرجُ من جميع ذلك بالمعين؛ لما فيه من الوجه الذي يكون به مطلقًا.
قوله: "والجواب عن الأول: أن عندنا أنه يستحق على فعل كل واحد منهما ثواب الواجب المخير لا المعين".
حاصل كلامه: أن يقول: إنَّ الواجب المُخَيَّرَ رُتبَةٌ بين النَّدْبِ والواجب المعين؛ فإن الحكمة تقتضي أن يترتبَ على كل مرتبة ما يناسبها، فإذا وجب أن يُقَابَلَ المندوبُ بخُمسِ درجة من الثواب مثلًا، وأن يقابلَ الواجبَ المعين منه ضِعفَاهُ - اقتضى أَن يقابلَ المُخَيَّرَ ضِعفُهُ مثلًا، وهي مرتبة بين المرتبتين.
والجواب الحَقُّ: أنه لا يخلو إِمَّا أن يأتيَ بالجميع على جهة الترتيب أو المَعِيَّةِ، فإن أتى بها على الترتيب، كان ثوابُ الواجب مرتبًا على الأول، وما عداه نفل؛ لأنه يَسُوغُ تركُه حينئذٍ مطلقًا.
وإن أتى بها معًا فيضافُ ثوابُ الواجب إلى أعلاها إن تفاوتت؛ لأنه لو اقتصر عليه لاستَحقَّ