للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثُ: إِذَا تَرَكَ الْكُلَّ: فَإِمَّا أَلَّا يَسْتَحِقَّ العِقَابَ أَصْلًا؛ وَذلِكَ يَقدَحُ فِي وُجُوبِهَا، أَو يَسْتَحِقَّ الْعِقَابَ عَلَى تَرْكِ الْكُلِّ؛ فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ وَاجِبًا؛ وَهُوَ بَاطِلٌ، أَوْ يَسْتَحِقَّ الْعِقَابَ عَلَى تَرْكِ وَاحِدِ لَا بِعَينِهِ؛ وَهُوَ بَاطِل؛ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَجْهِ السَّابِقِ، أَوْ عَلَى وَاحِدٍ بِعَينِهِ؛ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

الْجَوَابُ عَنِ الأوَّلِ: أَنهُ -عِندَنَا- يَسْتَحِقُّ عَلَى فِعلِ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوَابَ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ؛ لَا ثَوَابَ الْوَاجِبِ الْمُعَيَّنِ؛ وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَى فِعْلِهَا ثَوَابَ أُمُورِ كَانَ لَهُ تَرْكُ كُلِّ وَاحِدِ مِنْهَا بِشَرْطِ الإِتْيَانِ بِالآخَرِ، لَا ثَوَابَ أُمُورٍ كَانَ يَجِبُ عَلَيهِ الإِتْيانُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا

===

ودعواه الاتفاقَ على أنه لا يجبُ عليه الإتيانُ بالكُل -غَيرُ مُسَلَّمٍ قَبلَ الوقوعِ عند المعتزلة، وفيه وقع النزاع.

قوله: إلا أن من الناس مَنْ قال: إن واحدًا منهما هو الواجبُ في نفس الأمر وفي علم الله تعالى، إلا أنه غير معلوم لنا.

إنما قال: "من الناس" لأن الأشعرِيَّةَ تعزو هذا المذهبَ إلى بعض المعتزلة، والمعتزلةَ تعزوه إلى بعض الأشعرية.

وَتَتِمَّةُ هذا الى مذهب أنه إن أوقع ما علمه الله تعالى واجبًا فذاكَ، وإن أوقع غيره كان نفلًا دافعًا للوجوب رخصة.

قوله: "وهذا القول عندنا باطل .. " إلى آخره، حاصِلُهُ لزومُ التناقض، وما خُيِّرَ فيه جائزُ الترك على بعض التقديراتِ، والمُعَيَّنُ ممنوعُ الترك على كُلِّ التقديرات؛ فلا يجتمعان.

ويمكن أن يقال: إنما يلزمُ التناقضُ أنْ لو كان التعيينُ والتخييرُ باعتبارِ جهة واحدة.

أما إذا كان التعيينُ بالنسبة إلى الله تعالى، والتخييرُ بالنسبة إلى العبد -فلا يسلم التناقض، بلِ الدليلُ على إبطالِ هذا المذهب أن التكليفَ بِمُعَيَّن عند الله تعالي غَيْرُ معينٍ للعبد، ولا طريقَ له إلى معرفة تعيينه- من تكليف الَمُحَالِ.

فإن قيل: المانع من أن العبدَ لا يأتي إلَّا بما عَلِمَ الله تعالى. فجوابه: أن اللَّه تعالى لا يُوجِبُ عليه إِلا بما يُعَيِّنُهُ العبد، أو أنه إذا أتى كان سببًا لإسقاط المُعَيَّنِ.

قلنا: الجوالب عن الأول: أنَّ المأمورَ به لا بُدَّ وأن يكون معلومًا للمُكَلَّفِ؛ ليصحَّ قصدُه إلى الإتيانِ به، وإذا لم يعلمه إلا بعد الإتيانِ به - تَقَدَّمَ المشروطُ على الشرطِ، وهو محال.

وعن الثاني: أنَّ الإِجماعَ مُنعَقِدٌ على تحقق الإيجاب قبل الامتثال.

وعن الثالث: أن الإجماع منعقد على أن العبد ممتثل بعين ما أتى به.

قوله: "احتجَّ الخصمُ بوجوه" وذكر وجوهًا ثلاثة، حاصل الجمع يئُول إلى حرف واحد، وهو أَن للواجب أحكامًا وخواصَّ تتعلق بفعله وتركه:

فَمِمَّا يتعلق بفعله استحقاقُ ثواب الواجبِ، والخروجُ عن العهدة، ومِمَّا يتعلق بتركِه استحقاقُ العقابِ واللومِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>