وأجاب صَاحِبُ الكتاب عنه في غير هذا الكتابِ بمنع عَدَم الحُضُورِ؛ فإن الأمر الجازِمَ يستلزم المَنْعَ من الترك؛ فكيف يُتَصَوَّرُ الذهولُ عنه، وهو جزءُ ماهِيَّةِ الوجوب؟
نعم، ما يقع به التَّرْكُ قد يذهل عن تفاصيله.
وهذا يُعْتَرَضُ عليه: بأن نَفْسَ التَّرْكِ المُجَرَّدِ هو النَّقِيضُ، وهو سَلْبٌ غير مقدور، فيمتنع التكليف به.
قوله في الكتاب:"لَمَّا جَازَ أَنْ يُقَال: الأمر بالشيء أَمْرٌ بمقدماته الضرورية، وإنْ كان غافلًا عن تلك المُقَدِّمَاتِ، فَلِمَ لا يجوزُ أَنْ يَكُونَ الآمِرُ بالشَّيءِ نَاهِيًا عن ضِدِّهِ على سبيل الاستلْزَام له؟ " وهذا غَيرُ سَدِيدٍ؛ فَإِنَّ لِلْخَصْمِ أَنْ يمنعَ الأَمْرَ بالمُقَدِّمَاتِ مع الغَفْلَةِ عنها.
ومِمَّا يَتَعَلَّقُ بهذه المَسأَلَةِ: أن بعض الأئمة زَعَمَ أَنَّ هذا الخِلافَ لا يَجْرِي على قواعِدِ المعتزلة؛ فإنهم أنكروا كَلامَ النَّفْسِ، وَرَدُّوا الأَمْرَ والنهي إلى الصِّيَغِ.
ومعلومٌ أَنَّ "لا تفعل" ليس هو عَينَ "افعل"، ولا لازِمَهُ، ، وقد نفل عنهم الخلاف في المسألة.
والحَقُّ صِحَّةُ جريانه؛ فإنهم شَرَطُوا مع العبادات أماراتٍ، فلا مانِعَ أن يقولوا: إن كون صيغة "افعل" أمرًا بشرط إرادة الفعل، وإرادَةُ الفعل مستلزمة لكراهة الضد.
وقال بعض مَنْ يَنْتَهِي إلى التحقيق: إنه لا يجري في كلام الله تعالى؛ فإنه معنى واحد، وهو بعينه أمر، ونهيٌ، وخبر، واستخبار، فَعَينُ ما أَمَرَ به هو عَينُ ما نهى عنه.
وهذا أيضًا غير صحيح؛ فإنه وإنِ اتحد الكلامُ في نفسه إلّا أنَّ الأمر والنهي يختلفان بجهات التعليق.
وإذا حصل الاختلاف، لزم التعدد بالوجوه، فأمكن أَنْ يقال: هل يلازم طلبُ هذا الوجه طلبَ الوجه الآخر أم لا؟ .