للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

الأَوَّلُ أنَّه يلزم منه رَفْعُ المُبَاحِ من الشريعة، وهو خِلَافُ الإِجماع.

الثاني: يلزمه أَنَّ كُلَّ مندوب واجِبٌ لِعَينِ ما ذُكِرَ، وهو خلافُ الإِجماع.

الثالث: أنَّه إذا تَرَكَ مُحَرَّمًا بفعلِ مُحَرَّمٍ آخرَ، يلزمه وجُوبُ المُحَرَّمِ من حيثُ إنه تَرْكُ مُحَرَّمٍ، وهو خلاف الإِجماع.

والحَقُّ: أنَّه إن عَنَى أَنَّ الفِعْلَ واجب من حيثُ أُبِيحَ؛ فهو مُتَنَاقِضٌ، وإنْ عَنَى أَنَّ المُبَاحَ بحسب ذاتِهِ، لا يمتنع أَنْ يكونَ وسيلةً من وَجْهٍ إِلى تَرْكِ مُحَرَّمٍ، فيكونُ واجبًا من هذا الوجه، ولا تناقُضَ.

وَمَتَى سَلَّمُوا له: أَنَّ الأمرَ بالشيءِ أَمْرٌ بما لا يَتِمُّ إلَّا به، وأَنَّ التخييرَ لا يُنَافِي الوُجُوبَ- لَزِمَهُم عَين ما ذكره.

فلا خلاصَ لهم إلَّا بمنعِ قاعدةِ: أَنَّ ما لا يُتَوَصَّلُ إِلَى الواجِبِ إلَّا به فهو واجب.

وأمَّا فِعْلُ المحظورِ، فله أَنْ يُقَيِّدَ دَعْوَاهُ فيقولُ: مَعَ إِطْلَاقِ الفِعْلِ.

وَمِمَّا اختلفوا فيه:

قال القاضي: الوجوبُ لا يَتَوَقَّفُ على العِقَاب على التَّرْكِ، خلافًا للمعتزلة، وساعدهم الإمامُ والغَزالِيُّ.

واحتج القاضي: بأن الثوابَ والعقابَ مِنْ ثَمَرَاتِ الإِيجَابِ، فلا يَدْخُلَانِ فِي ماهِيَّتِهِ، ولا يَستَلْزِمُهُمَا عقلًا؛ بل كُلُّ ثوابٍ من الله تعالى فَضْلٌ، وكُلُّ عقاب منه عَدْلٌ، واللُّزُومُ بالشرْعِ.

فقال بِنَاءً على هذه القاعدة: لَو قُدِّرَ ورود الأَمْرِ الجازِمِ من الله تعالى بدون الثواب والعقاب- لَتَحَقَّقَ الوُجُوبُ.

والمعتزلة يمنعون ذلك؛ بناءً على التحسينِ والتقبيحِ العقليين.

وقد اختار الإمامُ فِي مسألة التحسين والتقبيح فِي "البرهان": مُوَافَقَةَ الأشْعَرِيَّةِ من وَجْهٍ، والمعتزلَةِ من وَجْهٍ:

فقال: إِن العُقُولَ لا تُحَسِّنُ ولا تُقَبِّحُ فِي حُكْمِ الباري تعالى؛ لاستواءِ الأفعالِ بالنسبة إليه، فوافق الأشعريَّةَ فِي هذا الطرف.

وقال: إِن العَقْلَ يُحَسِّنُ ويُقَبِّحُ بالنسبة إِلَى أَفْعَالِ العِبَادِ؛ فَإنَّ مَدَارَهَا على النفع والضر.

قال: وتمامُ القولِ فِي ذلك: أنَّه لو قُدِّرَ وُرُودُ أَمْرٍ من الشارع من غَيرِ تَعَلُّقِ نَفْعٍ، ولا ضُرٍّ، ولا ثواب، ولا عقابٍ- لم يَقْضِ العَقْلُ بوجوبِهِ. وَسَاعَدَهُ الغزالِيُّ على هذا الفرع.

ورد صاحبُ الكتاب عليه: بأنه يكفي فِي تَرْجِيحِهِ الذَّمُّ.

وَرَدَّ على المعتزلة: بأن العَفْوَ من الله تعالى مَأمُولٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>