. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وقال الأُستاذُ أبو إسحاق: هي من التكليف.
قال الإِمامُ: وَعُدَّت مِن هَفَوَاتِهِ.
وَلَمَّا رَجَعَ فِي ذلك، فَسَّرَهُ باعتقادِ أَنَّهَا من الشرعِ، ولا خِلَافَ فِي أَنَّ اعتقادَ أَنَّها من الشرع واجبٌ، إِذا فُسِّرَتْ بتسوية الثارع بين الفعلِ والتركِ؛ وإنَّمَا الخلافُ فِي نفس الإِبَاحَةِ.
ومِمَّا اخْتُلِفَ فيه: أَنَّ الإِباحةَ حُكمٌ شَرْعيٌّ أو لا؟
والصحيح: أَن ما أُخِذَ من خطابِ التَّسْويَةِ، فهو حُكْمْ شَرْعِيٌّ، وَرَفْعُهُ نَسْخٌ، وما أُخِذَ من البَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ، فليس بِحُكْمِ شرعيٍّ، ورَفْعُهُ ليس بنسخٍ.
ومِمَّا ذكر نيه: أَنَّ الأمْرَ بالأمرِ بالشيءِ، لا يكون أمرًا بذلك الشيءِ؛ لاختلاف المُتَعَلَّقِ؛ فَإن الأَمْرَ الأَوَّلَ: مُتَعَلَّقُهُ الأَمْرُ، والثَّاني: مُتَعَلَّقُهُ الفِعْلُ، وليس هو عَينَهُ، ولا من ضروراته.
احتج المُخَالِفُ: بأَنَّ أمْرَ اللهِ تعالى رَسُولَهُ بِأَمْرِهِ لنا - أَمْرٌ لنا.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّ ذلك معلوم من قَاعِدَةِ التبليغ، لا من إِشعَارِ اللفظ.
هذا مِمَّا أغفله من القسم الأول.
وأمَّا القسم الثاني: فَمِمَّا أَسْقَطَهُ من المسائل المعنويَّةِ، مسائِلُ:
المسألة الأولى:
قالتِ الأَشْعَرِيَّةُ: الباري تعالى آمِرٌ فِي الأَزَلِ، والمَعْدُومُ مَأمُورٌ على تقديرِ الوجودِ، وشرط مُؤاخذته به البُلُوغُ إِليه.
وخالفهم سَائِرُ الفِرَقِ، ومعنى قولهم: "على تقدير الوجود": أَن مَنْ عَلِمَ الله -تعالى- أنَّه سَيُوجِدُهُ مُسْتَجْمِعًا لشرائِطِ التكليفِ، وأراد تكليفَهُ؛ فإن بَدْأَتَهُ تعالى فِي الأزل طلبًا، متعلقه إيمانُهُ فِي ذلك الوقت مثلًا.
والحاصل: أنَّه يجوز وجودُ الآمِرِ مع عَدَمِ المَأْمُورِ.
وقَرَّبَ الشَّيخُ مَذْهَبَهُ بمثالٍ، فقال: إِنَّ المَلِكَ الْعَظِيمَ المستولى على الأقاليم قد يَجِدُ فِي نَفْسِهِ أمرًا لِمَنْ يُعَدُّ من نُوَّابِهِ، وَيَكْتُبُ بذلك إِليه، ولا يَصِلُ إِليه إلا بَعْدَ المُدَّةِ الطويلَةِ، ويكونُ مُؤَاخَذًا بِمُقْتَضَاهُ، مُسْتَحِقًّا لِلْمَدْحِ والذَّمْ بشرط البلوغ.
ولا يُقَالُ: إنه إِنما أمره عِنْدَ البُلُوغ إليه؛ فَإِنَّ الآمِرَ قد يكونُ عند البلوغِ على حَالٍ لا يَصِحُّ الأَمْرُ منه من نِسْيَانٍ أَوْ نَوْمٍ.