للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخَارِجِي عَلَى مُقتَضَى الأَمرِ الذاتِي؛ وَهُوَ بَاطِلٌ. وَإِن حَكَمنَا فِيهِ بِالصِّحةِ الْمُطلَقَةِ- لكُنا قَد سَوينَا بَين الْخَارِجِي اللازِمِ وَبَينَ الْخَارِجِي المُفَارِقِ؛ وَهُوَ -أيضًا- بَاطِلٌ؛ فَلَم يَبْقَ إلا أَن يُقَابَلَ الأصلُ بِالأَصلِ، وَالْوصفُ بِالوْصفِ:

فَنَقُولُ: لَما كَانَتِ المَاهيةُ خَالية عن مع المفسدة -حصل الانعقاد. ولما كان الوصف الْخَارِجِي مَنْشَأَ المَفْسَدَةِ- كَانَ العَقْد فاسدًا.

فهذَا تَدقِيقٌ حَسَنٌ؛ إلا أَنهُ يُقَالُ: الجمع بَينَ كَوْنِ الْمَاهيةِ وَجَمِيعِ أَجزَائها خَالِيًا عَنِ الْمَفسَدَةِ، مَعَ كَونِ لازِمِها مَنشَأَ الْمَفْسَدَةِ- مُحَالٌ؛ لأَن المُوجِبَ لِذلِكَ اللَّازِمِ الْخَارِجِي هُوَ

===

وكذلك يقول إِن الطوَافَ مشروع بأصله؛ لقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٢٩]، فَإِذَا نُهِيَ عَنْ طوافِ المحدِثِ فأوقعه- كان مُطِيعًا بالطوَافِ عَاصِيًا بالحَدَثِ.

وكذلك البَيعُ: مشروع بأصله؛ لقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيعَ} [البقرة: ٢٧٥]؛ وَبَيعُ الدرهمِ بالدرهمَينِ منهيٌّ عنه، فإِذا وَقَعَ ذَلِكَ قَال: هو مُنعَقد بِأصلِهِ دُونَ وصفِهِ على معنى: أنهما لو اتفَقَا على إِسقاطِ الدرهم الزائِدِ، لَصحَّ العَقدُ.

وَمَأخَذُهُ في جميع ذلك اعتِقَادُهُ تفرّد الجهة؛ كالصلاة في الدَّارِ المغصوبة.

والشافِعِي ومالِك -رحمهما الله- يقولان: إنه متى وَرَدَ الأَمرُ بِمُطلق ثم نُهِيَ عن وصفه- كان نقيضُ ذلك الوصف شرطًا في المَشْرُوعِ.

فإذا أُمِرَ بالطوَافِ ثُمَّ نُهِي عن طوافِ المُحدِثِ- كان ذلك مُقَيدًا لأمرِ الطواف بالطهارة، وإذَا أَتَى به بدون الطهارَةِ كان آتيًا بغير المأمورِ به؛ فيكونُ فاسدًا.

وكذلك إِذا قال: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيعَ} [البقرة: ٢٧٥]، ثم نَهى عن بَيع المَيتَةِ- كان ذلك مُقيدًا لِلمَبِيعِ بالطهارة، إلى غيرِ ذلك.

وَصرف المسألةِ من حيثُ المعقولُ: أنهُ لا يُتَصوَّرُ النهيُ عن الوَصفِ مع مشروعِيةِ الأصلِ في مَحَل الوصف.

فإنه لو قال: "خِطْ هذا الثوبَ، ولا تَخِط وقتَ الزوالِ" فلا يُتَصورُ أَن يُقال: إن الخِيَاطَةَ مشروعةٌ وقتَ الزوالِ؛ بل يَلزَمُ منه تقييدُ الأمر بِالخِيَاطَةِ بما عدا وقت الزوال.

أَما قولُ صاحب الكتاب في توجيهِ مذهب أبي حنيفةَ -رحمه الله تعالى-: "إنّا لو حَكَمنا بالبُطلانِ المُطلقِ لكنَّا قد رَجَّحنَا مُقتَضَى اللازِمِ الخارِجِي على مُقتَضَى اللازِمِ الذاتِيِّ؛ وهو باطل.

ولو حكمنا بالصحة مطلقًا، لكنا قد سوينا بين الخارجي اللازم، وبين الخارجي المفارق وهو أيضًا باطل" فهو بعيد عن مَأخَذِ الإمام أبي حنيفةَ -رحمه الله تعالى- فإن الخارِجِي إِذا لم يفارق يؤدي إلى التناقض.

قوله: "وهو تدقيق حَسَنٌ، إلا أنهُ يُقَالُ: الجمعُ بَينَ كَونِ المَاهيةِ وجميعِ أجزائها خاليًا عنِ المَفسَدَةِ، مع كونِ لازِمِها مَنشأَ المفسدة- مُحَالٌ؛ لأَن المُوجِبَ لذلك اللازِمِ الخَارِجي هو تِلكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>